رئيس التحرير
عصام كامل

فين الشهيد.. الفن يعمر وعندنا يدمر


لم يخل الأسبوع الأول من الشهر الفضيل من إثارة الجدل؛ حيث "تفذلك" وزير الأوقاف الجزائري سعيد السعدي، داعيا إلى تقليص الصيام في الصيف إلى 13 يوما فقط بدلا من شهر كامل، وأطلق على فكرته "الصيام الذكي"، لأن صوم شهر في الصيف يعادل 52 يومًا في الشتاء.. وقد قوبلت دعوة الوزير بالاستهجان والسخرية لمخالفته الشرع والمطالبة بمحاسبته.


أما إثارة الجدل الإيجابي، فتمثل فيما قدمه الفنان السعودي ناصر القصبي من فن يتبنى هموم المجتمع ويسانده في مواجهة التحديات.. نجح القصبي في فضح ممارسة الإسلاميين وعصابات "داعش"، في حلقتين هما في الحقيقة أهم ما قدم في رمضان دراميًا حتى الآن، واستحق معهما أن يتصدر "تويتر" بهاشتاج "شكرا ناصر القصبي"، وهو يستحق ذلك قولا وفعلا؛ لتقديمه فنا يسهم في كشف الحقائق وتوجيه المجتمع بكوميديا الموقف، فن يبني ويعمر، يساند الدولة ويدعمها لا يهدمها.. لذا اعتبر المتلقي أن سلاح كوميديا القصبي أقوى من أسلحة الدمار الشامل، وأن ما صنعه "داعش" وتجار الدين "المتأسلمين" في سنوات، أسقطه القصبي في ساعة. 

وعند النظر إلى ما يعرض رمضانيًا من أعمال مصرية، نجدها مع الأسف تدور في نفس الأفلاك السابقة، أعمال أنفق على إنتاجها ما يزيد على مليار جنيه، حتى تسيئ إلى مصر والمجتمع بطرح خبيث يهدم ولا يبني، فن يدمر قيم وأخلاقيات من يتابعه، ويشوه عن عمد بالتركيز على أسوأ ما في المجتمع لتصدير صورة مغلوطة إلى الخارج.. وأذكر هنا أن الدراما التركية رغم التطويل وبطء الأحداث، نجحت في تصدير صورة مشرقة إلى العالم وأخفت السلبيات، وبالتالي زادت السياحة لرؤية المجتمع المثالي الموجود في الدراما، وقفزت الإيرادات إلى أكثر من 20 مليار دولار سنويًا.

أما الدراما المصرية، فهي تتعامل بعداء شديد مع الدولة وكأنها مدفوعة لتنفيذ مؤامرة ضد الشعب.. وإذا كانت أفلام السينما اتجهت إلى البلطجة والعشوائيات ونماذج هامشية لا ننكر وجودها، لكنها تظل استثناء وليست قاعدة في مصر.. فإن دراما رمضان تتعمد الإساءة إلى المجتمع وتشويه صورة البلد، بالتركيز على نماذج العاهرات والبلطجية وتجار المخدرات والكباريهات والعشوائيات، والإصرار بشكل مخيف على الإساءة إلى الشرطة، فإذا كان بعض أبناء الشرطة من الفاسدين والمسيئين للجهاز، فإن الغالبية من الشرفاء وتضحياتهم لا تُنسى، فلماذا لا تجسد الدراما إلا السيئ؟! 

ثم هل مصر أصبحت كلها قتل وجرائم وخيانة زوجية وتجارة مخدرات وبيوت دعارة ومدمنين وراقصات وفساد سياسي كما جاء في المسلسلات؟!.. أين النماذج الإيجابية؟.. وأين الإنجازات التي يلمسها العالم كله ويغفل عنها الفن والإعلام في مصر؟!.. ثم لماذا لم يقدم أحد صناع الدراما في القطاعين الخاص أو الحكومي على إنتاج مسلسل عن تضحيات شهداء الجيش والشرطة الذين لولاهم لأصبحنا لاجئين مثل السوريين والعراقيين واليمنيين؟، وإن لم يسعفهم الوقت لإنتاج مسلسل فلماذا لم ينتج أحدهم برنامجا عن الشهداء والمصابين من خيرة أبناء مصر واستضافة أسرهم وذويهم؛ لغرس القيم في نفوس الجيل الواعد وإثبات أن مصر لا تنسى من ضحى من أجل أمنها وعزتها، وتتذكر ذويهم باطلاع الشعب على حياتهم وتضحية أبنائهم؟!.. هل كان الأمر صعبا إلى هذه الدرجة، في وقت تذكرت فيه الدراما اليهود وأنتجت عملا عنهم؟!

تفنن صناع الدراما في الإساءة إلى مصر وتشويه المصريين، لكن اللوم لا يقع عليهم وحدهم، بل يجب محاسبة الرقابة على المصنفات الفنية، التي تمرر كهذا أعمالا مسفة وألفاظا بذيئة ومضمونا مدمرا، وعندما يمنع عرض عمل أو أكثر ويخسر منتج ما أنفقه لن يسيئ مرة أخرى إلى بلده.. لكن أن يصرح مسئول في الرقابة، بأن نصف مسلسلات رمضان لم تعرض على الرقابة، فإن تصريحا هكذا لا يجب أن يمر مرور الكرام، ولا بد من وقفة حاسمة من الدولة لتصحيح مسار الفن، فالحرية لا تعني قلة الأدب والتشويه.
الجريدة الرسمية