مدارس بورسعيد.. إصلاح وتهذيب
لم أكن أتوقع أن تتحول المعاهد القومية إلى نموذج لابتزاز أولياء أمور التلاميذ، وأن تتخلى عن دورها التعليمي والتربوي رغم تاريخها العريق.
لقد قام مسئولو مدارس بورسعيد بالزمالك، بمساومة أولياء الأمور على أمن وأمان أبنائهم، فقرروا فجأة دمج خطوط الباصات في بعضها لتقليل عددها ووضع خط سير لكل باص، بمعنى أن يتم دمج باصات الهرم وفيصل والمريوطية في باص واحد فقط توفيرا للنفقات، وكل عدة مناطق في خط واحد أيضًا، وعلى اعتبار أن باصات مدارس بورسعيد سوف تتحول العام المقبل إلى أتوبيسات نقل عام، يتم حشر عشرات التلاميذ فيما يشبه علب السردين.
لكن المصيبة الكبرى، أن الإجراء التعسفي لم يتوقف عند هذا الأمر، بل ألزم أولياء الأمور بتوصيل أبنائهم إلى المحطات التي سوف تحددها إدارة مدارس بورسعيد بمعرفتها؛ في محاولة لإثبات قدرتها على توفير الأموال لإدارة المعاهد القومية التي تتبعها المدارس.
إن هذا التصرف يخلو من الإنسانية ويسقط حقوق أولياء الأمور الذين يتحملون ارتفاع تكاليف التعليم بمدارس بورسعيد، التي تصاعدت خلال السنوات الماضية، وتقبلها أولياء الأمور على أساس أن أي زيادة يمكن أن تصب في صالح تحسين وضع التعليم بالمدارس، لكن الحقيقة تأتي على غير ذلك.
بالإضافة إلى رفع مصاريف الباصات بنسبة 75% العام الماضي عن العام السابق له مرة واحدة، والآن تريد إدارة المدرسة أن تضاعف مصاريف الباصات مرة أخرى، ومع تصدي الإدارة التعليمية لهم قرروا أن يجبروا أولياء الأمور على تحمل مسئولية توصيل أبنائهم.
وهو ما يضع أولياء الأمور بين خيارين، إما ترك أعمالهم والتفرغ لنقل أبنائهم إلى محطات خط السير أو منع أبنائهم من الذهاب إلى المدارس؛ نزولا على رغبة الإدارة التي تريد أن تحول المدرسة صاحبة التاريخ العريق، إلى مجرد حصالة تجمع النقود فيها، لتثبت أنها الأقدر على إدارة مدرسة فقدت أهم ما يميزها وهو جودة التعليم وتأمين نقل التلاميذ من وإلى المدارس، وفقا لما كان معمولا به لديها، وفي كل مدارس الجمهورية التي تتولى تقديم تلك الخدمة، خاصة أن إلحاق التلاميذ بتلك المدارس يكون متضمن الانتقالات.
إن تحويل مدارس بورسعيد إلى كيان تجاري يهدف إلى الربح أكثر من حرصه على التربية والتعليم، يعد كارثة تهدد هذا الصرح العظيم، علما بأن مدرسة بورسعيد تم تأسيسها على يد سيدة تدعى "مسز بولين" في بداية أربعينيات القرن الماضي، وتم تأميمها بعد العدوان الثلاثي في عام 56، لتتحول بعدها إلى الجمعية العامة للمعاهد القومية.
لقد انخفض مستوى المدرسة التعليمي والتربوي الأعوام الماضية، بعدما غادرتها قيادات تعليمية رفيعة نتيجة حرص إدارتها على تقليص نفقات التعليم لصالح توفير أموال، لا تعليم يحترم العقول؛ لتكسب سباق تحقيق وفورات مالية لصالح المعاهد القومية، التي وصل فائض ميزانيتها لأكثر من 13 مليون جنيه هذا العام، بينما لم تتأثر ضمائر القائمين على تلك المدارس من تدهور مستواها التعليمي.
إن وزارة التربية والتعليم يقع عليها الآن عبء الرقابة الفنية على أداء تلك المدارس، وأن تعيد تقييمها ليس بمستوى التعليم العام، ولكن مع مستوى نفس المدرسة سابقا بدلا من تركها في أيدي مجموعة ترى في التعليم وسيلة لتجميع الأموال لا بناء العقول.