المباريات زمان.. والمسلسلات الآن.. في رمضان!!
قبل ربع قرن من الزمان كانت مباريات كرة القدم تقام نهارا في رمضان وغير رمضان، ملاعب قليلة مضاءة وبقية الملاعب غير مضاءة.. لهذا كانت المباريات تقام في الثالثة عصرا في رمضان قبل الإفطار وتنتهي في الخامسة، ويؤذن المغرب في الخامسة والنصف أو السادسة حسب الشهر الذي يأتينا فيه رمضان.
كان الموسم كله «دوري وكأس» ينتهي في مايو قبل امتحانات التلاميذ.. وتقام بطولة الشركات في سبتمبر، لهذا كان الصائمون يستمتعون بالمباريات في رمضان نهارا؛ لتسلية الصيام.. وكثير من اللاعبين كانوا يصممون على الصيام، وعدم الإفطار سواء في مباريات أنديتهم أو في مباريات المنتخب، حيث كانت بعض المنتخبات الأفريقية تنتهز فرصة شهر رمضان، وتعلم أن لاعبينا صائمون فتلعب مبارياتها معنا نهارا، حتى لو كانت درجة الحرارة ٤٠ درجة؛ ولأن الإيمان عند لاعبينا قوي، والعزيمة شديدة، كانوا يزدادون إصراراعلي اللعب، وهم صائمون.. قمة الإيمان بالله.
لم تكن هناك فضائيات حتى عام ١٩٩٢ إلا قناتي إم بي سي والفضائية المصرية على القمر الهندي، وفي عام ١٩٩٣ انضمت إليهما قنوات إيه أرتي ART، وبعدها بعام ظهرت قناة أوربت، ولكنها على قنوات أجنبية ومشاهدتها باشتراك، ولم يسمح لإحداها بإذاعة مباريات الدوري المصري أو الكأس، التي اقتصر إذاعتها على تليفزيون مصر وحده.
وفي ٢٨ أبريل ١٩٩٨ انطلق القمر الصناعي المصري نايل سات ١٠١ من قاعدة جويانا الفرنسية في أمريكا الجنوبية، ومعه انطلقت العديد من القنوات الفضائية في مصر والعالم العربي، وبالطبع كثير منها قنوات رياضية.
اقتصرت المشاهدة في القنوات المصرية قبل الأقمار الصناعية على مشاهدة مباريات الدوري والكأس في مصر، وفوازير ثلاثي أضواء المسرح ونيللي وشريهان وفي الإذاعة آمال فهمي، ومسلسلين على الأكثر بخلاف مسلسل ألف ليلة وليلة، وكان أهم مسلسلات زمان ليالي الحلمية، وخماسية عبدالمنعم الصاوي، وأهمها الساقية والضحية، ورأفت الهجان وغيرها.. لهذا كان المسلمون لديهم الكثير من الوقت للصلاة، والاعتكاف في المساجد، والتعبد وقراءة القرآن.
لكن ماذا حدث في السنوات الأخيرة في مصر والعالم العربي.. أصبح هناك شراسة في المنافسة على إنتاج المسلسلات التليفزيونية في مصر والعالم العربي، وإذا جلست أمام الشاشة تقلب القنوات ستجد أمامك أكثر من مائة مسلسل مختلف ما بين مصري وعربي، بجانب قنوات الأفلام والقنوات الكوميدية التي تذيع المسرحيات الكوميدية القديمة.
جاء رمضان وامتحانات الثانوية العامة، وبعض الكليات الجامعية مازالت مستمرة.. وتطارد المشاهدين مسلسلات الفضائيات، وبعض مباريات كرة القدم، وأهمها هذه الأيام مباريات كأس أمم أمريكا الجنوبية كوبا أمريكا، وأهم نتائج الدوري الأول هزيمة البرازيل ١ / صفر أمام كولومبيا، وطرد نجم الفريق نيمار.. وتعادل الأرجتنين مع أورجواي ٢ / ٢ في مباراة مثيرة، كادت تنتهي بهزيمة فريق ميسي.
الناس تسمع أرقام مسلسلات التليفزيون وأجور النجوم تصاب بالإحباط والغصة، خصوصا الطبقات المتوسطة والفقراء.. وهم يسمعون أن عادل إمام تقاضى ٤٠ مليون جنيه عن دوره في مسلسل أستاذ ورئيس قسم، وهيفاء وهبي تقاضت عشرين مليون جنيه عن دورها في مسلسل مريم، وأقل ممثل أو ممثلة تقاضى ثلاثة ملايين جنيه، وهو لا يجد ثلاثة آلاف جنيه؛ لتجهيز ابنته التي ستتزوج وغيره لا يجد ثلاثمائة جنيه؛ لشراء لحم لإطعام أولاده في رمضان!
من أين هذه الملايين.. بل المليارات التي تدفع خلال شهر واحد لفئة قليلة من الناس، في الوقت الذي نتسول فيه المستشفيات الجنيهات؛ لاستكمال مستشفى سرطان الأطفال، أو مستشفى العيون، أو معهد القلب، الذي يحتاج إلى عملية قلب مفتوح، ولم تشفع زيارات إبراهيم محلب رئيس الوزراء له؛ لإنقاذه وتركوه في غرفة الإنعاش يعاني.
الناس تركت الصلاة وأصبحت تنتقل من قناة إلى قناة؛ لتشاهد منة شلبي في حارة اليهود، وعادل إمام في أستاذ ورئيس قسم، وهيفاء وهبي في مريم، وصابرين في أوراق التوت، ولقاء الخميسي في بعد البداية، وزينة في أرض النعام، وشيري عادل في لعبة إبليس، ونيكول سابا في ألف ليلة وليلة، وداليا البحيري زوجة مفروسة، وروجينا بين السرايات، وخالد الصاوي في الصعلوك، ومي عز الدين في حالة عشق.. أما الصلاة فبعد رمضان!