ماذا صار يعني لنا التقدم ؟
هل هو الانسلاخ عن هويتنا العربية والإسلامية؟ أم هو نكران الذات والذوبان في الآخر وتقليده في كل شيء؟ وهل التقدم معناه أن نتقن كل اللغات الأجنبية أكثر مما نتقن لغتنا العربية؟ وهل التقدم معناه أن نتعصب لكل اللغات أكثر مما نتعصب للغتنا العربية؟
إنني أحب أسباب الرقي والتقدم، ومحاكاة الآخر ومنافسته في الارتقاء بثقافتنا وابتكار أسباب جديدة لتنمية مجتمعاتنا على جميع المستويات، كما لا أنكر فضل تعلم العلوم الحديثة واللغات المختلفة لتحقيق التواصل والتعارف بين الشعوب، والاطلاع على ثقافتها وتاريخها وحضارتها، ولكنني بالوقت نفسه لا أنكر بأنني امرأة عربية مسلمة أغار على ديني، وثقافتي، وتاريخي، وتقاليد وأعراف بلدي، كما أغار على تراثنا العربي والإسلامي، وأحلم بأن يأتي اليوم الذي تتكاثف فيه الجهود، لإخراج مجموعة قيمة من تلك الرفوف القديمة، لترى نور الحياة، وأن نزيح عنها غبار النسيان، ونبث في أوصالها روح الحرية.
كما أغار على لغتنا العربية الأصيلة، فكيف يجدر بنا أن نمتلك مفاتيح وأسرار لغات العالم ونفرِّط في امتلاك مفاتيح لغتنا وقواعدها؟ .. إننا ما زلنا نتخبط في الكلام والكتابة بأكثر من لغة، وتحولنا إلى التعبير بكل اللغات في وقت واحد ..كيف نسمح لأنفسنا بصرف ساعات نِفاس في تعلم كل ما يرتبط بثقافة الآخر ومدنيته، وتقاليده، وحضارته، ولا نخصص لثقافة وطننا العربي وتاريخه وقتًا كافيًا لدراسته، واكتشاف تقاليد الأمة التي نحن من أبنائها.
ما أجمل أن تحترم أيها الإنسان العربي ثقافة الآخر، وأسباب تقدمه، ومعالم هويته، ولكن من العار أن تفقد بالمقابل هويتك واحترامك لنفسك ولدينك، ولثقافتك وتقاليدك، وتفقد احترامك لأرضك ووطنك، وأمتك وعشيرتك، والشعب الذي أنت مدين له بالكثير.
إنك أيها الإنسان العربي لست بحاجة إلى أن تقلد الآخر وتتحول لنسخة طبق الأصل منه، ترتدي لباسه وتتزين بزينته، وتفكر بمنطقه، وتتكلم بلغته، ونبرات صوته، وتدين بديانته وتؤمن بما يؤمن به، لتثبت لنفسك وللعالم بأنك صرت تنافسه في تقدمه.
ولكنك تحتاج إلى أن تثبت لنفسك وللعالم من حولك بأنك بطل في ساحتك، نجم في ميدانك، فارس تفتخر بمقومات شخصيتك العربية والإسلامية، وتفتخر بتاريخك وحضارتك.
إنك أيها الإنسان العربي قد نسيت خلال رحلة الانبهار بالآخر أن تكون أنت فقط، وبأنك حين تذوب في الآخر تفقد معالم صورتك الحقيقية، فلا أنت عربي مسلم ولا أنت الآخر تدين بديانته، ولا أنت حافظت على هويتك، ولا أنت صرت تحمل هوية الآخر بكاملها، ولا أنت انسلخت عن تقاليد بلدك ولغة قومك، ولا أنت أتقنت الدور الذي تقمصته وهو أن تكون الآخر حقيقة.
تعرف لماذا؟؟
لأنك لا تملك أن تحذف من تاريخك بأنك ولدت من بطن أم عربية، ورضعت من ثديها، وأن أول صوت سمعته هو صوت الأذان يجلجل الله أكبر في أذنك اليمنى، وأن النسب الذي تنتسب إليه هو نسب أبيك و جدك وجد جدك.
وأنك نشأت وترعرعت بين أهلك وأبناء وطنك، وشربت من نفس الكأس الذي شربوا منه، ومن نفس الصحن الذي طعِموا منه، وعلى نفس الفراش والسرير نمت، وفي مدارسهم وكتاتيبهم تعلمت أول حروف الهجاء، وصرت تتقن لغتك العربية ولغات أخرى، ثم استقام عودك الفتي وصرت شابًا يافعًا فارتدت جامعاتهم، ومعاهدهم، ومنتدياتهم، وصالوناتهم الثقافية، ومكتباتهم، ومراكزهم التكوينية، فتعلمت وصقلت شخصيتك، واكتسبت مهارات مختلفة، وأتقنت حرفًا وصناعات، فماذا عليك اتجاه هذا الوطن واتجاه هذه الأمة التي منحتك الكثير.
إن عليك حقوقًا وواجبات الالتزام بحدود الطاعة في المعروف، والالتزام بالمقومات الأساسية لبناء العقيدة والمجتمع، وأن تكون نموذجًا يستحق شرف الاتباع، وشرف حمل رسالة النهوض بهذا المجتمع وأبنائه، وحمل رسالة الإصلاح والتجديد والبعث لأصالة لغتنا العربية، ومقومات حضارتنا وتاريخنا وتراثنا العربي والإسلامي.