محمود علي البنا.. صوت أَحَبَّته الملائكة
عندما تستمع إلى كلمات الرحمن، بصوت هذا الشيخ تذهب بعيدًا، لتجد نفسك محلقًا معه في السماء الصافية وتُذهب كلمات الله عز وجل مع صوته الرائع عنك الهم والغم.
إنه القارئ الشيخ محمود علي البنا، الذي اشتهر بصوته العذب بقراءة القرآن منذ عام 1948 تاريخ أول تلاواته بالإذاعة المصرية.
وكان «البنا» يتلو القرآن من 1945 إلى أن طلب منه علي ماهر باشا، والأمير عبد الكريم الخطابي، بعد الاستماع إليه بإحدى حفلات جمعية الشبان المسلمين ـ_والذي كان القارئ الرسمي لكل حفلاتها_ الالتحاق بالإذاعة المصرية، وكانت أول قراءة له على الهواء في ديسمبر 1948 من سورة هود، وصار خلال سنوات قليلة أحد أشهر أعلام القراء في مصر.
ودرس «البنا» علوم المقامات والموسيقى على يد الشيخ درويش الحريري، وحفظ القرآن على يد الشيخ موسى المنطاش، شيخ كتاب بقرية شبراباص مركز شبين الكوم بمحافظة المنوفية، مسقط رأسه، وأتم حفظ القرآن في سن الحادية عشرة، وكانت علامات النبوغ وسمات أهل القرآن قد ظهرت عليه، وخصوصًا مخارج الألفاظ والدقة في النطق، وهو في السادسة من عمره، بالإضافة إلى الذكاء الشديد والالتزام والدقة والرقة في التعامل مع كلمات القرآن.
يقول الشيخ "البنا" في مذكراته: "إنه كان شديد الحرص على حفظ ما أخذه كل يوم بالكتاب، وكان يسهر الليل كله حتى يحفظ ما سيقوم بتسميعه في اليوم التالي، وبعد الحفظ يراجع اللوح السابق الذي حفظه قبل ذلك حتى يقوم بتسميع اللوحين معًا ليتواصل القرآن بالقرآن تواصلًا محكمًا".
ويروي "البنا" أنه تعرض لـ"علقة" لن تغيب عن خياله ما دام حيًا _على حد وصفه بمذكراته_ وكانت "علقة" بدون أي تقصير منه في التسميع والحفظ.
ويقول: عدت للبيت بكيت بكاءً شديدًا وقلت لوالدتي لقد ضربني سيدنا ضربًا شديدًا مع أنني سمّعت له اللوح، فقالت لي: "يا محمود الشيخ ضربك لأنني قلت له إنك ذهبت إلى الغيط لتشاهد جمع القطن وتلعب بجوار العاملين بجني القطن، وأنا يا بني خفت أن تعتاد على هذا الأمر وتبتعد عن القرآن".
وتعلَّم «البنا»، العلوم الشرعية والقراءات على يد الإمام إبراهيم المالكي، الإمام بجامع الأحمدي بطنطا.
كانت رحلة الشيخ مع القرآن رحلة عالمية لا يحدها زمان ولا مكان، ظل مترددًا على أماكن المسلمين في شتى بقاع الدنيا على مدى ما يقرب من أربعين عامًا متتالية ولم يترك قارة من قارات الدنيا إلا وذهب إليها على مدى الأعوام، وخصوصًا في شهر رمضان المبارك الذي طالما أسعد الملايين من الجاليات المسلمة بسماع صوته القرآن البريء العذب الفياض، فرقَّت عشرات القلوب التي كانت كالحجارة أو أشد قسوة.. ودخل في دين الله أفواج مسيحيون بحمد ربهم مستغفرينه فكان لهم غفورًا توابًا.
اختاره الأزهر الشريف، لحضور كثير من المؤتمرات الإسلامية العالمية ممثلاً أهل القرآن وقراءه، وأرسلته وزارة الأوقاف إلى كثير من المسابقات العالمية كمُحكِّم وقاضٍ قرآني.. وانهالت عليه الدعوات من الملوك والرؤساء والشيوخ العرب لإحياء المناسبات الدينية كالمولد النبوي الشريف وليلة الإسراء والمعراج وليلة رأس السنة الهجرية وافتتاح المؤتمرات الإسلامية العالمية المقامة على أرض بلادهم.. إنه حقًا كان خير سفير للقرآن الكريم.
وُلِد الشيخ البنا في 17 ديسمبر 1926، ولمع نجمه في قراءة القرآن منذ الأربعينيات، وقرأ البنا، القرآن في العديد من دول العالم سواء العربية أو الغربية، فقرأ القرآن بالحرمين الشريفين وفي ألمانيا، كما سجل القرآن بصوته للإذاعة المصرية، ورغم عشقه العظيم للقرآن إلا أنه لم ينسَ العمل العام، فكان من المناضلين لإنشاء نقابة للقراء وكان عضوًا بها في عام 1984، أي قبل رحيله بعام واحد، حيث لقي ربه في 20 يوليو 1985، ومنحه الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، وسام الجمهورية في عام 1990 أي بعد وفاته بخمس سنوات.