ملوك على عرش التلاوة.. الشيخ رفعت وأستاذه!
كثيرون ربما يستمعون للشيخ علي محمود، ولا يعرفون أنه هو من اكتشف قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، وكثيرون لا يعرفون أن مفارقات عجيبة تربط بين الرجلين ومتناقضات أخرى يختلفان فيها.. فالشيخ علي محمود ورغم أنه المكتشف الحقيقي للشيخ رفعت، إلا أنه يكبره بأربع سنوات فقط، وتوفي أيضًا قبله بأربع سنوات، وكلاهما عاش العمر نفسه وهو 68 عاما بالتمام والكمال.. الأول ينتمي للجمالية بحي الحسين، والثاني لدرب الجماميز الشهير بالسيدة زينب، وكلاهما فقد بصره بعد سنوات من ولادته!
التناقض المدهش في مدرسة التلاوة لكليهما لا تخطئه أذن.. فالشيخ علي محمود وكما وصفناه في مقال سابق، أسس لمدرسة خاصة في التلاوة القرآنية، يجوز وصفها بمدرسة الانفعال الشديد.. إذ أنه وبعد لحظات من التلاوة، إلا وتجده منفعلا جدا بما يقرأ، يعيش من أعماقه وبجدية لا مثيل لها مع آيات التنزيل الحكيم بشكل مذهل.. بينما على النقيض تمامًا، تجد الشيخ محمد رفعت يجسد بصوته معاني الآيات التي يتلوها.. وفي حين يسير الشيخ علي محمود تقريبًا برتابة واحدة مبدعة ومدهشة، إلا أن الموسيقى فقط عند الشيخ رفعت هي الثابتة، في حين يتغير الأداء وفقا للآيات ومعانيها.. الأول يذكرك على الفور بساعات الصباح الأولى، والثاني بشهر رمضان!
الشيخان كلاهما درس الموسيقى وأحبها، كان الأول منشدا شهيرا لم يحصل على الشهرة في زمن لم يعرف إلا الإذاعة، ورحل في منتصف الأربعينيات، والثاني عزف العود وصادق كبار الملحنين أو صادقوه، وتوقف عن التلاوة عام 43 بعد إصابته بمرض في الحنجرة، ارتضاه وقبل به وحمد الله عليه، ورفض أي مساعدة من رؤساء وملوك الدول العربية والإسلامية.. وكلاهما أسس منفردًا لمدرسة في التلاوة، لم يسبقه إليها أحد، وكان رائدها وابنها الوحيد.. وكلاهما فشل الكثيرون في تقليدهما، رغم أن الكثيرين من التلاميذ الذين قدموهم بأبوية بالغة إلى عالم التلاوة!
وإلى اليوم يجلجل صوتاهما في الآفاق، يحمل آيات الرحمن الرحيم بالخير والنور إلى كل مكان.. رحمهما الله وأسكنهما فسيح جناته، ونفع بفيضهما الكريم كل من يسعى ويستحق الانتفاع به!