رئيس التحرير
عصام كامل

الأطباء يُبلغون عن الفساد.. فماذا أنتم فاعلون!


سريعا اختفت أنباء الزيارات الميدانية لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، بعد أسابيع ساخنة وسجالات وصدامات مع أطراف عديدة للمنظومة الصحية الحكومية..وكأن رسالة الغضب المكتومة التي تفجرت على وسائل التواصل الاجتماعي من الأطباء.. وبدأت بتدشينهم بصفحة على فيس بوك ثم انشطرت الصفحة لصفحات في مختلف المجالات..وجميعها هدفت لتمهيد عقل رئيس الوزراء وفؤاده وضميره لما يحدث على أرض الواقع وقد لا يعلم عنه شيئًا..وحتى لا تكون " المفاجآت " وحدها الوسيلة المضمونة التي يعرف بها رئيس وزراء مصر ما يدور في طول البلاد وعرضها بعيدا عن التقارير التي تصل مكتبه ولا تتضمن مثل هذه المهازل التي شاهدها على الطبيعة..بأم عينيه !


وحتى الآن.. ما يُعرض على هذه الصفحات لا تكفي له كل صنوف الكلمات لوصف حقيقة ما نراه من كوارث إنسانية مُخجلة خاصة ما تعرضه الصفحة الأم يوميًا عن كوارث المستشفيات الحكومية في مصر لاسيما أنه يتطوع بإدارتها أطباء ردوا بشكل عملي على ما رأوه تعنيفًا.. بل تجريسًا لهم من رئيس الوزراء بعد جولاته القاتلة التي عرّت المنظومة الصحية بأكملها والقائمين عليها أمام المواطنين..بل وأمام الرأي العام العالمي!

وجاء تعبير "محلب" عن المأساة بجملته الشهيرة بأنه فوجئ بحجم الفساد والإهمال بشكل لم يكن يتصوره.. ليكون العنوان الذي التقطه بعض الأطباء لتدشين صفحة اسموها ـ عشان لو جه ميتفاجئش ـ ومنها انشطرت عشرات الصفحات تحت نفس الاسم لـ " تلبيس" الدولة كلها في تبعات صمتها على الإهمال والاستخفاف بأرواح أبنائها بالماضي والحاضر وربما المستقبل إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه!

الصفحة حتى الآن تحاول التحلي بالموضوعية قدر ما تستطيع.. وتنقد المنظومة الصحية نفسها قبل أن تنقد سوء السياسات الحكومية.. وتفند أوجاع الأطباء والتعامل اللاإنساني معهم من بخس حقوقهم المادية والمعنوية في مقابل تدليل القطط السمان من "مقاولين" القطاع الطبي الخاص.. الذين تحميهم الدولة وتوفر لهم ما يجعلهم في أمان من "سياط الكلمات" التي تنهال على كرامة أطباء المنظومة الصحية الحكومية في أي جولة مفاجئة.. وكأنهم وحدهم سبب ما وصلنا إليه من تدني مهني وأخلاقي!

الغريب أن الصفحة منذ بداية ظهورها وانتشارها كالنار في الهشيم وهي تجد محاولات لا تنفض للتشكيك في مصداقيتها وحقيقة أهدافها من بعض وسائل الإعلام التي انشغلت عن مضمون ما تقدمه من واقع مؤلم بأحاديث لا ترتقي إلا لمستوى هزل اللحظة التي نعيشها !

وانحصرت أغلب التغطيات في مجرد محاولات تهدف لمعرفة من يكونوا أصحاب الصفحة وحقيقة هويتهم.. مع أن الأمر لم يكن في حاجة لمغامرات مكوكية لأنهم وبمنتهى البساطة أعلنوا هويتهم وصفتهم المهنية..وأرفقوا ذلك باعتذار عن الخروج في وسائل الإعلام لأهداف نفسية وأمنية.. وابتعادا بلا شك عن منصات الإعلام التي باتت في أغلبها بلا موضوعية.. وبلا هدف !

وفي حقيقة الأمر الصفحة لم تُقدم إلا ما نادى به الرئيس وأعلنه على الملأ بضرورة كشف الفساد..ولم تفعل عمليًا إلا ما طالب به المجتمع من تحلي بالشجاعة في مواجهة غياب الضمير والكفاءة وسوء الإدارة لمؤسسات تجتمع على أبوابها هموم الناس وأوجاعهم.

ومنذ أن تم تدشينها وعرض الكوارث عليها في تفعيل حقيقي لرغبة الرئيس في كشف القصور وعدم التستر عليه.. إلا أن الاستجابة لها غريبة ولا ترتقي لمستوي ما يُعرض عليها من مآسي.. بل المدهش أن العديد من جهات صنع القرار تتباري في التشكيك بحقيقة ما ينشر بدلا من فتح تحقيق جدي وتوجيه الجهات المعنية لاتخاذ اللازم..أو معاقبة القائمين على هذه الصفحات والتعامل معهم بالقانون..إذا ما ثبت أن هدفهم من خلفها تكدير الرأي العام بالباطل.. وإفشاء الإحباط بين الناس!

وحتى لا نبتعد عن المضمون الأصلي للموضوع..لابد من القول إن الجولات الغاضبة التي دأب عليها المهندس إبراهيم محلب في الشهر الماضي والتي صنعت أمواجًا صاخبة في نيل هادئ لا تعرف مياهه الفوران.. جهد مشكور من رجل "صادق النية " يبحث عن ضمير مفقود وسط تلال المشاكل.. ولكنه وبمنتهى الصراحة لابد له من مُراجعة جدواها إذا ما قرر استئنافها.. لأن الجولات تأتي دون استماع وافٍ لمشاكل وأوجاع كل أطراف المنظومة الصحية بما أنه خصص معظم جولاته لها.

وبالتالي محاسبتهم قبل العمل السريع على سن سياسات آنية ومستقبلية ووضع خطط كاملة الأهداف لحل المشاكل المستعصية بتشريعات عادلة تضمن حقوق الجميع.. لن يكون هناك تغيير حقيقي اللهم إلا دفع المزيد من الأطباء مع باقي مكونات المنظومة الصحية للهجرة والابتعاد عن نيران الغضب الشعبي المتصاعد والحفاظ على ما تبقى لهم من " هيبة " يتم إهدارها أمام الكاميرات التليفزيونية وعدسات المصورين!

وما سيجده رئيس الحكومة في الصحة.. سيجده في التعليم والثقافة والأمن وما قد يصل إليه موكبه من مبانٍ حكومية ترفع علم مصر فوق مبانيها العتيقة الآسّرة !

حاسب وزراءك يا معالي رئيس الوزراء قبل محاسبة مرءوسيهم.. ولا تتفاجئ فهنا في مصر مما تقشعر له الأبدان.. ولن تُحل هذه الكوارث إلا بسياسات واضحة وخطط فاعلة ممهورة بمدى زمني محدد.. فلم تعد كراسي الوزراء مدعاة للمفخرة ولا وسيلة لكنز المعارف فقط وادخارها لما بعد الرحيل من عهد يدعونا علانية لمحاربة التخاذل والمتخاذلين!
الجريدة الرسمية