رئيس التحرير
عصام كامل

بالفيديو.. نبي الله «إدريس».. وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا

فيتو

اختلف العلماء في تحديد تاريخ مولد ونشأة نبي الله «إدريس»، فمنهم مَن قال إنه وُلِد في فلسطين، ورجح آخرون ولادته ببابل، وأكد فريق ثالث أنه وُلِد بمصر وقيل غير ذلك من هذا القبيل، واختلفوا حتى في وفاته، حيث ذهب البعض إلى رفعه للسماء الرابعة، وذهب آخرون إلى أنه قُبِض في السماء الرابعة، والتف البعض حول وجوده في السماء السادسة.


نسبه
تؤكد التوراة أن نبي الله «إدريس» هو «أخنوخ» بن يارد بن مهلاييل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم، كما جاء في سفر التكوين، وقيل هو إدريس بن يارد بن مهلائيل وينتهي نسبه إلى شيث بن آدم واسمه عند العبرانيين (خنوخ) وفي الترجمة العربية (أخنوخ) وهو من أجداد نوح.

في الإسلام
ذكره القرآن الكريم باسمه في سورة مريم، الآيتين 56 و57 حيث قال تعالى: "وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا"، "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا".

ويعد «إدريس» أحد الأنبياء الكِرام الذين أخبر الله عنهم في كتابه العزيز، حيث ذكر صراحةً أنه نبي، وهو ممَّن يجب الإيمان بهم تفصيلاً، أي يجب اعتقاد نبوته على سبيل القطع والجزم؛ لأن القرآن قد ذكره باسمه وحدَّث عن شخصه فوصفه بالنبوة والصديقية.

وهو أول بني آدم أُعطِيَ النبوة بعد آدم وشيث عليهما السلام، وذكر ابن إسحاق أنه أول مَن خَطَّ بالقلم وقد أدرك من حياة آدم ثلاثمائة سنة وثماني سنين، وقد قالت طائفة من الناس إنه المُشَار إليه في حديث معاوية بن الحكم السلمي، لما سأل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم عن الخط بالرمل فقال: "إنه كان نبيًا يخط به فمَن وافق خطه فذاك".

ويُقَال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قابل "إدريس" في السماء الرابعة أثناء المعراج في رحلة الإسراء والمعراج.

وأكد بعض العلماء أن «إدريس» أدرك من حياة آدم 308 سنوات؛ لأن آدم كان عمره طويلاً يُقدَّر بألف سنة، ولما كبر آتاه الله النبوة فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث، فأطاعه نفر قليل، وخالفه جمع غفير، فنوى الرحيل عنهم وأمر مَن أطاعه منهم بذلك فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم فقالوا له، وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل؟ فقال: الله رزقنا هاهنا وهو رازقنا غيره، فخرج وخرجوا حتى وصلوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقف على النيل وسبح الله، وأقام إدريس ومَن معه يدعو الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.

وقد كانت مدة إقامة "إدريس" في الأرض 308 سنة، ثم رفعه الله إليه كما ذكر القرآن "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا".

أعماله
وكانت له مواعظ وآداب، فقد دعا إلى دين الله، وإلى عبادة الخالق جل وعلا، وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة، بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في هذه الدنيا الفانية الزائلة، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة وغلظ عليهم في الطهارة من الجنابة، وحرم المسكر من كل شيء من المشروبات، وشدد فيه أعظم تشديد، وقيل إنه كان في زمانه 72 لسانًا يتكلم الناس بها وقد علمه الله منطقهم جميعًا ليعلم كل فرقة منهم بلسانهم، وهو أول مَن علَّم السياسة المدنية، ورسم لقومه قواعد تمدين المدن، فبنت كل فرقة من الأمم مدنًا في أرضها وأُنشِئَت في زمانه 188 مدينة، ويُعتَقد بأنه أول مَن خطَّ بالقلم ودوَّن الصحف التي أُنزِلت عليه من الله، وأنه أول مَن خاط الثياب البيض زي الصابئة ولبسها.

وفاته
اختلف الكثير في موته، فعن ابن وهب، عن جرير بن حازم، عن الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف قال: سأل ابن عباس كعبًا وأنا حاضر فقال له: ما قول الله لإدريس "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا"، فرد كعب قائلاً: أما "إدريس" فإن الله أوحى إليه: أني أرفع لك كل يوم مثل جميع عمل بني آدم _لعله من أهل زمانه_ فأحب أن يزداد عملاً، فأتاه خليل له من الملائكة، فقال له: "إن الله أوحى إلى كذا وكذا فكلم ملك الموت حتى ازداد عملاً، فحمله بين جناحيه ثم صعد به إلى السماء، فلما كان في السماء الرابعة تلقاه ملك الموت منحدرًا، فكلَّم ملك الموت في الذي كلمه فيه "إدريس"، فقال: وأين "إدريس؟ قال: هو ذا على ظهري، فقال ملك الموت: يا للعجب! بعثت وقيل لي اقبض روح "إدريس" في السماء الرابعة، فجعلت أقول: كيف أقبض روحه في السماء الرابعة وهو في الأرض؟! فقبض روحه هناك، فذلك قول الله عز وجل" وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا"، ورواه ابن أبي حاتم عند تفسيرها.

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا: "إن "إدريس" رُفِع ولم يمت كما رُفِع عيسى، إن أراد أنه لم يمت إلى الآن ففي هذا نظر، وإن أراد أنه رُفِع حيًا إلى السماء ثم قُبِض هناك، فلا ينافي ما تقدم عن كعب الأحبار والله أعلم".

وقال البخاري: ويُذكَر عن ابن مسعود وابن عباس أن إلياس هو "إدريس"، واستأنسوا في ذلك بما جاء في حديث الزهري عن أنس في الإسراء: إنه لما مر به قال له مرحبًا بالأخ الصالح والنبي الصالح، ولم يقل كما قال آدم وإبراهيم: مرحبًا بالنبي الصالح والابن الصالح، قالوا: فلو كان في عمود نسبه لقال له كما قالا له".

وذكر «العوفي» عن ابن عباس في قوله "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" رُفِع إلى السماء السادسة فمات بها، وهكذا قال الضحاك، والحديث المتفق عليه من أنه في السماء الرابعة أصح وهو قول مجاهد وغير واحد.

وقال الحسن البصري: "وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا" قال: إلى الجنة، وقال قائلون: "رُفِعَ في حياة أبيه"، ليرد بن مهلاييل.. والله اعلم.

من أقواله وحكم سيدنا «إدريس»: «خير الدنيا حسرة، وشرها ندم»، و«السعيد مَن نظر إلى نفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة»، و«الصبر مع الإيمان يورث الظفر».
الجريدة الرسمية