رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور.. مسجد طنبغا المارداني مأوى الصالحين وأبناء السبيل

فيتو

كلما اقتربت من شارع التبانة بالدرب الأحمر، لاحت مئذنة مسجد "الطُنبُغا المارداني"، أحد أقدم المساجد الأثرية بالقاهرة، والذي يعد من أكثر المساجد المفضلة لدى أهالي الدرب الأحمر، رغم تعرضه للإهمال، والسرقات المتعددة، لرحابته، وتصميمه البديع، فضلا عن اعتدال درجة الحرارة بداخله، طوال أشهر العام.


يعود بناء المسجد إلى عام 1340 ميلاديًا، على يد الأمير علاء الدين طنبغا، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ويتكون الجامع من صحن واسع مستطيل، ومئذنة مكونة من ثلاث طبقات، ورغم خضوع المسجد للترميم عام 1884، على يد لجنة حفظ الآثار العربية، فإن حشوات منبر المسجد الخمسين تعرضت إلى السرقة أكثر من مرة، خلال القرن الـ19، وحتى أوائل السبعينيات من القرن الماضى.

وعادت السرقات إلى المسجد مرة أخرى، خلال عام 2012، ورغم حالته المتدهورة، والحاجة الماسة إلى ترميمه، فإن مشاعر روحانية سرعان ما تغمرك، بمجرد الدخول إلى المسجد، وتحتفظ جدرانه بصلوات آلاف الصالحين، الذين مروا على المسجد، منذ بنائه، وحتى يومنا هذا، ويمكن رصد الراحة النفسية التي يشعر بها المصلون، ممن يقضون ساعات في المسجد عقب الصلاة، ويستسلم بعضهم إلى نوم هادئ، تاركًا الحياة الضاغطة خارج جدران المسجد.

على مدخل المسجد، يتأهب العاملون به لاستقبال المصلين خلال شهر رمضان، حيث يقومون بالتنظيف المستمر، وإعداد ساحة المسجد الخارجية لاستقبال أعداد المصليين المتزايدة، وأثناء ذلك، لا ينسى العاملون ملء "القلل القناوى" بالماء، لري عطش العابرين، بنكهة ماء الورد، والنعناع.

النساء أيضًا لهن وجود في مسجد الماردانى، حيث تم وضع ستارة، لتخصيص جزء من المسجد للنساء، اللاتى تحرصن على حضور الصلاة وحلقات الذكر، وبخاصة المسنات، ممن انقطعت بهن سبل العيش، وعانين من هجر أبنائهن وأحفادهن، وصار المسجد مأواهن الوحيد.

ويلجأ بعض المسنين من الرجال إلى المسجد أيضًا، لنفس السبب، حيث يتولى رعايتهم عدد من النسوة من أهالي الدرب الأحمر، في شكل من أشكال التراحم والتكافل، يثير الإعجاب، ويذكرنا بأخلاق الحارة المصرية، كما تصورها لنا روايات نجيب محفوظ، ويحيى حقى.

تشق شجرة نبق عجوز مدخل المسجد، مازالت تطرح ثمارها، التي ينتظر الأطفال موسمها بفارغ الصبر، لتبدأ المطاردات بين العاملين بالمسجد، وعشرات الأطفال الذين يتسللون لجمع ثمار الشجيرة الذيذة، وقد تؤدى تلك المطاردات إلى فرار عشرات العصافير، التي تتخذ من الشجرة مسكنًا لها.

لن تنتهى زيارتك إلى مسجد طنبغا الماردانى، قبل أن تكون عرفت بعض المعلومات المهمة عن عظمة العمارة الإسلامية، التي تظهر بوضوح فيما بقى من زخارف ملونة دقيقة على جدران المسجد، لم يستطع الطامعون سرقتها ولا محوها، إضافة إلى التصميم الخارجى العبقرى للمسجد، الذي تصدى للزمن، ونقل حكاية عصور مرت على مصر من التنوير، كانت خلالها أوروبا تئن تحت وطأة الجهل، ومحاكم التفتيش.
الجريدة الرسمية