مصر مش ناقصة أزمات !
كلما اقتربنا من تحقيق إنجاز ضخم أو تحدثنا عن أمل جديد يحقق للشعب قدرًا من العدالة الاجتماعية وبعض الحلول للمشاكل المزمنة، يدخل المجتمع في أزمة وينشغل الناس بالحديث عنها، وتجري فيها على قدم وساق عمليات الاستقطاب، وعمليات الفرز والتجنيب، وكأن عفريتًا من الجن نفخ في تراب الأرض فملأ الدنيا غبارًا يعمي العيون فلا نعرف إن كنا على حق أو على باطل !
وبدلا من أن يتفرغ المسئولون لإنجاز أعمالهم المتأخرة، نراهم ينخرطون في حديث لا طائل من ورائه غير تضييع الوقت الذي لا نملك تضييعه، بل غالبًا لا يكلفون أنفسهم أو غيرهم عناء الرد وتصحيح ما التبس على الناس من موضوعات وقضايا أو شائعات أو أخبار غير موثقة، نراهم يذهبون إلى الحل الأسهل من وجهة نظرهم والأصعب على الوطن في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخه.. تكليف القانونيون لديهم في تقديم بلاغات للنائب العام، فتأخذ البلاغات أرقامًا فتتحول إلى جهات التحقيق وتبدأ آلة الشائعات تدور..
الوزير الفلاني رفع دعوى على فلان الفلاني.. والمسئول الفلاني توعد فلان الفلاني، وتشتغل كتائب الشئون القانونية في الوزارات والهيئات وتصرف الإدارات المالية المكافآت وبدلات الانتقال، وتجد فضائيات ( الهنك والرنك) ضالتها في الأزمات التي لا تنتهي، وهات يا رغي وروح يا كلام وتعال يا كلام، ويخرج المنظرون لكل القضايا والمشاكل فيلبسون كل أزمة ثوبًا سياسيًا ويضفون على فئات بعينها قداسة ومهابة ليست فيها، ويبدأ النفخ في النيران حتى تصل ألسنة اللهب إلى عنان السماء، ويكون مطلوبًا إما الاعتذار أو التنازل عن الحقوق أو دهس دولة القانون !
نائب مأمور اعتدى على محام أو محام تجاوز على نائب مأمور.. مشكلة فردية لا ينتج عنها أزمة في أي مكان في العالم أو في أي دولة متحضرة.. لكن في مصر لابد أن ينتج عنها أزمة كبيرة تصل إلى حد طلب الإضراب في مواجهة الداخلية.. تكبر الحكاية وتكبر كرة اللهب.. فيضطر رئيس الدولة أن يعتذر للمحامين فيقبل المحامون الاعتذار في التو واللحظة وكأن شيئًا لم يكن.. هل كان المقصود من كل ذلك أن يعتذر الرئيس للمحامين فيهدأ غضبهم أم أن للحكاية هدفًا آخر عند نقيب المحامين وأصحاب الأصوات العالية في النقابة ؟ هل يمكن أن يحذو حذوهم آخرون عندما تحدث مشكلة بينهم وبين أي جهة حكومية ؟ هل مات القانون ودفناه ونسينا أن نترحم عليه ؟ هل يمكن أن ننادي بسيادة قانون أو دولة قانون ونحن نخرقه ولا نحترمه ؟
الحقيقة أن اعتذار الرئيس آلمني رغم شجاعته في تقديم الاعتذار نيابة عن غيره.. وكنت سعيدًا عندما اعتذر الرئيس للسيدة التي تم التحرش بها في ميدان التحرير وزيارته المهمة لها في المستشفى وتسجيل الحوار الذي دار.. هنا الرئيس اعتذر لها نيابة عن الشعب المصري كله وجبر خاطرها.. لكن الرئيس هنا اعتذر نيابة عن الداخلية، وإن كان لا مفر من تقديم اعتذار.. فقد كان واجبًا على وزير الداخلية وليس الرئيس، وإن كنت أرى أن يتم تحويل الضابط والمحامي إلى جهات التحقيق ليفصل بينهما القانون بالعدل ودون تفرقة، ولا يكون هناك حاجة لتقديم اعتذار لأحد.. !
هل يعتذر وزير الداخلية أو سيادة الرئيس لأي مواطن عادي عندما يتجاوز عليه أي مسئول من أي جهة حكومية ؟ تحقيق وجود دولة القانون لا يستقيم وسياسة الاعتذار التي تحدث أحيانًا.
أزمة الصحفيين والداخلية ليس لها معنى أو مبرر وكان يمكن معالجتها لو خرج مسئول في التو واللحظة ليكذب ما تم نشره ويذيع ذلك على كل وسائل الإعلام فيضيع تأثير الخبر وتتراجع مصداقية الموقع الذي نشر خبرًا غير موثق، وأعتقد أن جانبًا كبيرًا من الأزمة يرجع إلى غياب المعلومات وتباطؤ المسئولين في الرد عليها، ومع ذلك هل نتعلم من الأخطاء التي نقع فيها أو ينتبه المسئولون ؟ أشك في ذلك كثيرًا كثيرًا.