رئيس التحرير
عصام كامل

أوراق من الذاكرة


في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، حضرت اجتماعا لمجلس شورى التنظيم الدولي للإخوان، وكان في إحدى المدن الألمانية، ربما كانت "فرانكفورت"..كان يرأس الاجتماع مصطفى مشهور، نائب المرشد العام آنذاك، وكان من أهم القضايا المطروحة للمناقشة، تحديد إستراتيجية الجماعة في المرحلة المقبلة، واستمرت المناقشة وتبادل وجهات النظر لسويعات، وكان هناك توجها عاما أن تتحرك تنظيمات الإخوان في الدول المختلفة على التوازي في تبني الديمقراطية، كنظام للحكم، بمرتكزاته الأربعة وهى: التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، واعتبار الأمة مصدر السلطات، وأن صناديق الانتخابات الحرة والشفافة والنزيهة، هي السبيل الوحيد لاختيار الشعوب لمن يمثلها وينوب عنها، في الرئاسة والبرلمان، واختيار البرنامج الذي يعبر عن طموحاتها، وأشواقها في التوجهات العامة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية..


وارتأى المجتمعون آنذاك أن توزع عناصر القضية الكبرى إلى قضايا فرعية، وقد تم تكليف كل تنظيم قطري بإعداد دراسات حول مجموعة من القضايا الفرعية، وكان نصيب تنظيم الإخوان في مصر ثلاث قضايا هي: التعددية السياسية، والشورى، والمرأة، وقد قمنا فعلا بإعداد الدراسات المطلوبة من خلال عدة ندوات بمركز الدراسات الحضارية التابع للجماعة، وحضر هذه الندوات مجموعة من الشخصيات أذكر منهم على سبيل المثال: مصطفى مشهور، المأمون الهضيبي، مهدي عاكف، يوسف القرضاوي، فهمي هويدي، سليم العوا، وآخرين، إضافة إلى كاتب هذه السطور..

كانت الدراسة ثرية، وان لم نكن قد انتهينا إلى نتائج فاصلة، خاصة فيما يتعلق بالتعددية السياسية، وجدير بالذكر أنه لم يكن هناك تصور لدى مجلس شورى التنظيم الدولي عما ينتويه حول إستراتيجيته، وهل كان يستهدف في النهاية إقامة اتحاد فيدرالي أم كونفيدرالي بين الدول العربية بديلا عن الخلافة؟..كما أنه لم يشر إلى العقبات التي يمكن أن تعترض الطريق أمام هذا الاتحاد أو ذاك، إقليميا ودوليا، وكيف السبيل إلى تذليلها والتغلب عليها؟!..

وفى منتصف التسعينيات، كانت هناك أيضا مجموعة من الندوات أقامها الاقتصادي "سعيد النجار" في جمعيته بمصر الجديدة حول الإصلاح السياسي في مصر، وقد شارك فيها ممثلون عن أحزاب: الوفد والتجمع والعمل والأحرار، إضافة إلى الإخوان والشيوعيين.. وكان ممثلا عن الإخوان المأمون الهضيبي، وسيف الإسلام حسن البنا، وأبوالعلا ماضي، وعن الشيوعيين إبراهيم البدراوي، وعن التجمع حسين عبد الرازق، وعن العمل إبراهيم شكري، ود. محمد حلمي مراد، ولا يحضرني الآن ممثلو الوفد والأحرار..وقد نشرت ورقة الإصلاح السياسي متضمنة نحو ١٨ بندا، وكان ذلك في عام ١٩٩٨.

غني عن البيان أن أيا من الدراسات التي انتهى إليها مركز الدراسات الحضارية، أو جمعية "سعيد النجار"، لم تتم مناقشتها على مستوى قواعد الإخوان في المحافظات المختلفة، وللأسف لم يعمل مكتب إرشاد الجماعة على ذلك، وبالتالي ظلت الجماعة على وجه الإجمال بعيدة عن فهم، واستيعاب متطلبات العمل السياسي في تلك المرحلة، سواء على مستوى التنظيم الدولي للجماعة أو على مستوى تنظيم إخوان مصر، وقد لمست بنفسي هذا القصور الشديد لدى بعض القيادات الوسيطة للإخوان في مصر عامي" ٢٠٠٨ و٢٠٠٩"، إذ كان هؤلاء يطالبون بهجر العمل السياسي جملة، والعودة إلى الدور "الأصيل" للجماعة وهو العمل التربوي.
الجريدة الرسمية