رئيس التحرير
عصام كامل

ذكرياتنا الحلوة


ذكرياتنا مع شهر رمضان لها مذاق مختلف، فهي تنعش الروح كلما طافت بخاطرنا، يتمنى المرء لو توقف الزمن عندها.. فالقلب مفعم بها.. والروح تفيض شوقًا إليها.. والعين تسترجعها بلهفة وحنين العاشق لمحبوبته الغائبة عنه.


في الطفولة المبكرة، كانت شوارع القرية وأزقتها الضيقة مظلمة طوال ليالي رمضان، قبل دخول الكهرباء للريف بدءا من منتصف السبعينيات، ومع ذلك كانت قلوب الفلاحين الطيبة تضيء عتمة القرية، فتزداد بهجة رمضان في عيون الصغار الذين يلعبون بفوانيسهم العتيقة، وتملأ شموعها الكون بضياء السعادة البريئة حتى الفجر.

وفي مرحلة الدراسة قبل الجامعية، كانت حلاوة الشهر الكريم لها طابع خاص تختلط فيها متعة لمة الأولاد حول الأب والأم لحظة الإفطار.. وسهرات الأصدقاء في الحقول.. وصلاة التراويح التي تملأ ربوع القرى والنجوع ضياءً إيمانيًا ورحمة ربانية تسكن وجدان الجميع.. وصوت مسحراتي القرية عندما ينادي على كل بيت باسم كبيره من الرجال.. ولعب الكرة لساعات حتى مجيء وقت الإفطار، فنقفز فرحا ونهرول لبيوتنا؛ لتجمعنا لمة رمضان التي أصبحت ذكريات بعد أن رحل من بيننا من كانوا جزءا غاليا من حياتنا.

وفي مرحلة الجامعة كانت أحلى الذكريات.. هنا مساكن أم المصريين.. وما أدراك، ما كان للقلب من شجون ما زال يهفو إليها بعد كل هذه السنوات وكأنها بالأمس القريب.. هنا مشاعر الذكريات الحلوة تنبض حية في الوجدان حتى الآن، وتزداد حنينا وشوقا يوما بعد يوم حتى تحولت إلى حياة تبعث داخلنا الأمل والسعادة.. لم تعد مجرد ذكريات لكنها أصبحت حبا متجددا يملأ الروح، ويحلق بها في سماء العشق اللامتناهي.. قلبي ما زال هنا لم يبرح المكان والزمان.. من محاضرات وامتحانات كلية الإعلام في النصف الثاني من الثمانينيات، إلى شارع ربيع الجيزي والبحر الأعظم والقرية الفرعونية وشارع عبد العزيز آل سعود، إلى مساكن أم المصريين.. قلوبنا كانت تشع فرحة وحبًا وأملا.. نرى ضحكة الناس الطيبين تعلو الوجوه بقدوم الشهر الكريم.. السماء تغطيها زينة رمضان بكل ألوانها وأشكالها.. الحياة هنا لها طعم مختلف.. كنا نحلم بأن تستمر أيامنا وليالينا، وألا تتحول يومًا إلى ذكريات.. لكنها صارت أغلى الذكريات.

واليوم، أصبحنا آباءً نجمع أبناءنا على مائدة الإفطار.. وغدا نصبح جزءًا من ذكرياتهم مع رمضان!
الجريدة الرسمية