رئيس التحرير
عصام كامل

لا تخدعكم واشنطن!


أرجو ألا نبالغ في تقدير قيمة القرار الذي اتخذته إحدي لجان الكونجرس  بالمساعدات الأمريكية باعتماد المساعدات العسكرية لمصر للعام الجديد.. فهذا القرار هو تغير بالتأكيد تكتيكي في تعامل واشنطن معنا، ولكنه ليس تحولا إستراتيجيا لأمريكا تجاهنا.. وقد عبرت رئيسة لجنة الكونجرس عن ذلك بوضوح حينما قالت إن أمريكا تحتاج لعلاقة ليست ضعيفة مع مصر..


وهذا التغير التكتيكي في تعامل واشنطن معنا فرضه الواقع.. واقع مصر الآن التي تتقدم بخطي حثيثة لنسج علاقات مع القوى الدولية القوية والمؤثرة والفاعلة بدءا من روسيا والصين حتى أوربا، وتصر على مواصلة الحرب ضد الجماعات الإرهابية بقوة وحزم، وفي ذات الوقت تنهمك في إعادة بناء اقتصادها بهمة ونشاط.

أي أن مصر التي صنعت هذا الواقع الجديد هي التي فرضت على أمريكا وأوربا أيضا أن تعيد النظر في شكل علاقاتها معنا وتكتيكها في إدارة علاقاتها مع بلادنا.. فنحن لم نستسلم أو نقبل بالأمر الواقع، ولم نضع أيدينا على خدنا في انتظار الإفراج عن المساعدات العسكرية التي تم تجميدها بعد الثالث من يوليو ٢٠١٣، وإنما عقدنا صفقات وتشاورنا لعقد صفقات مع روسيا وفرنسا والصين بل وأيضا ألمانيا..

لقد تعاملنا بقوة مع الموقف ورد الفعل الأمريكي والأوربي، ولذلك لم يجد الأمريكان والأوربيون مفرا من مراجعة سياساتهم تجاهنا، لأنهم لا يملكون ترف مقاطعتنا أو مخاصمتنا علنا، خاصة وأن القوى والعناصر التي سبق وأن راهنوا عليها تتفكك وتضعف وتذبل وربما تنهار أيضا.. فها هي جماعة الإخوان تترنح تحت وطأة الملاحقات الأمنية والحصار والرفض الشعبي والانقسامات الداخلية.. كما هاهي المجموعات والحركات التي ربطت نفسها بحبل التمويل السري مع أمريكا تفقد أيضا تأثيرها وتنزوي بعد أن افتضح دورها المساند والداعم للإخوان واكتشفت أنها ارتضت لنفسها أن تكون ضمن وكلاء الأمريكان في البلاد.

لذلك.. فإن الاعتبارات البراجماتية والعملية فرضت على واشنطن التعامل مع الواقع المصري الجديد حتى لا تخسر كل شيء بعد أن خسرت رهانها على الإخوان في ٣٠ يونيو ٢٠١٣.. لكن تربص الأمريكان بنا لم يتوقف لأنهم لم يتخلوا بعد عن رؤيتهم الإستراتيجية لبلدنا ولكل منطقتنا، وهي رؤية تقوم على فرض الهيمنة عليها بعد تطويعها من خلال فرض حكم فاش ديني عليها يقبل بتقسيمها والتفريط في أرضها واستقلالها.. وهذه ليست رؤية الحزب الديمقراطي وحده وإنما هو حاول تنفيذها، ومن صاغها من قبل الحزب الجمهوري.

وهذا ما يتعين أن ننتبه إليه ولا ننساه ونتذكره دوما، حتى نكون مستعدين لمواجهة أية محاولات أمريكية للنيل منا، سواء بتحريض منظمات ترتدي ثوبا دوليا ضدنا أو بمحاولة تنشيط وكلاء الأمريكان في بلادنا لعرقلة جهودنا لبناء دولتنا القوية العصرية الديمقراطية.
الجريدة الرسمية