مصر بين دولة السيسى ودولة الجماعة (6)
رفضت حماس الإخوانية فى 20 ديسمبر 2008، مد هدنة الستة أشهر، التى وصلت إليها مع إسرائيل، برعاية مصرية فى 19 يونيو من نفس العام. وكان جميع المُتابعين، بمن فيهم حماس، يُدرك أن رفضها الهُدنة، يعنى الحرب الإسرائيلية العنيفة على غزة، لأن قادة إسرائيل كانوا قد أعلنوا هذا من قبل، حتى عبر صحافتهم. وبالتالي، لم يكن الأمر سراً، أن الحرب قادمة.
وبالرغم من ذلك، رفضت حماس، على عكس ما كانت ترجو مصر، مد الهدنة، ومنحت إسرائيل الفرصة لقتل ما يزيد على 1400 فلسطينى فى غزة من 27 ديسمبر 2009 إلى 18 يناير 2009، بدلاً من تفويت الذريعة على إسرائيل فى النيل من الأرواح الفلسطينية البريئة!!
إلا أن هدف حماس وإسرائيل معاً، لم يكن تلك الحرب فى حد ذاتها. لقد كان الهدف الحقيقي، هو الضغط على مصر، لفتح المعابر دون اهتمام بأمن مصر القومى والتحكم فى القرار السيادى المصري، بعد بروفة اقتحام حدود مصر فى 23 يناير 2008، ومحاولة وضع مصر فى حال مواجهة مع ما يُدعى بالمقاومة الفلسطينية وقتها.
فحماس الإخوانية تخدم أهداف إسرائيل، سواء فى تقسيم القرار الفلسطيني، أو فى تهديد سيناء، بأن تُحقق مطامع الدولة العبرية، فى أن تكون دولة بديلة للفلسطينيين!!
لقد اتحدت مساعى حماس وقطر وسوريا وإيران، فى تلك الحرب، للضغط الإعلامى على مصر، ضد سيادتها، رغم معرفتهم جميعاً أن مصر كانت تفتح معابرها عند الحاجة للفلسطينيين، ووفقاً لاعتبارات الأمن القومى الخاص بها والقانون الدولي. إلا أن الأمر بالنسبة لهم جميعاً كان بدافع تهديد مصر، وتعريضها لمأزق رهيب لصالح قواهم، دون اعتبارات لأمن قومى عربى ولا حتى إسلامي!!
وفى هذا الجو المُفعم بالتوتر، دعا أمير قطر لقمة عربية فى الدوحة، لبحث تطورات الوضع فى غزة. إلا أن الكبار لم يستجيبوا له. وسافر مبارك إلى السعودية، عاقداً قمة مع الملك عبد الله، يوم 13 يناير 2009، واتفقا على ضرورة التوصل لوقف إطلاق نار فوري، ومُشاركتهما بالقمة الاقتصادية العربية الأولى فى الكويت يوم 19 يناير، لتحقيق المصالحة العربية.
وبعد أن نجحت مصر فى التوصل لوقف إطلاق النار فى غزة يوم 18 يناير 2009، ذهب مبارك لحضور قمة الكويت. وقال كلمة قوية لخصت الموقف المصري، وجاء ضمن كلمته:
" .. إننا ندعم حق الشعوب فى مقاومة الاحتلال .. ونحترم إرادة المقاومة الفلسطينية وصمودها .. لكننا نؤمن أن المقاومة، كقرار الحرب، لابد أن تخضع لحساب الأرباح والخسائر، ولابد أن تكون مسئولة أمام شعوبها .. تحكم لها أو عليها .. بقدر ما تُحققه من مكاسب لقضاياها .. أو تتسبب فيه من ضحايا وآلام ومُعاناة"
لقد صمدت مصر أمام إعصار من أكثر من دولة فى تلك الحرب، أكدت فيها سيادتها على أرضها، وصونها فى ظل مصر مبارك، لأمنها القومي. وكانت صيحات المُعارضة المصرية وبُكائها المدعوم من الإخوان، ليدل على أن هؤلاء، لا يمكنهم أن يتفهموا ما يعنيه أمن مصر القومي، وأنهم غير آمنين عليه، ولا يصلحوا ليكونوا بُدلاء لمبارك فيما يخصه، وقد كان منهم مرشحى رئاسة، بل ومنهم رئيس اليوم على رأس الدولة فى مصر!!
أما أكثر المشاهد سُخرية فى تلك الأزمة، فكانت لأمير قطر داعم الإخوان، الذى صُفع من الدول الكبيرة فى المنطقة، بعدم حضورها قمته العرجاء فى الدوحة، وقال مثلما النساء الثكلى فى الحروب، وقد بدت عليه الهزيمة: "حسبى الله ونعم الوكيل"!!
وللحديث بقية ..
والله أكبر والعزة لبلادي،
وتبقى مصر أولاً دولة مدنية.