ضريبة الغربة
صباح يوم الأحد، بدت الشوارع خاوية من البشر، إحساس لا يعادله إحساس ومتعة لا تقابلها متعة، هي تلك التي أشعر بها في يوم إجازتي الوحيد وأنا أتناول قهوتي الصباحية.
جئت إلى الريفييرا منذ سنوات طويلة؛ حيث الهدوء الصارم، وتركت خلفي بلدا تنبض بالحياة والحيوية حتى ساعات متأخرة من الليل، أصبح الهدوء جزءا مني أو ربما هذا ما أقنعت به نفسي، كوسيلة نفسية دفاعية توقف جماح شوقي إلى مصر وضجيجها، وأياما مضت هي جزء مني تتعارك مع أجزاء أخرى من أيام غربتي.
إستندت إلى سور بلكونتي أراقب حركة ميناء موناكو، المراكب تذهب وتجيء وعلى يميني الصخرة العالية تبدو كقاعدة حماية لقصر الأمير الشامخ فوقها، وعلى شمالي جبال الألب الممتدة إلى إيطاليا، جارتنا العزيزة التي كلما اشتقنا إلى البيتزا ومكرونة البستو انطلقنا إليها، فهي تبعد عنا نصف ساعة على الأكثر؛ حيث يلتقي الجنوب الفرنسي بالشمال الإيطالي، وإن كانت عيناك لا تخطئ الجمال الطبيعي الخلاب لمدن الريفييرا والفيلات الأنيقة التي تزينها على جانبي الطريق، تتخللها خضرة منسقة مهندمة تظهر اهتمام فرنسا بهذه المنطقة الراقية من أرضها وصفحة البحر تعانق زرقة السماء وتلقي بأشعة الشمس على الجبال حتى تصل إلى شمال إيطاليا، فتلمح جمالا متواضعا مقارنة بالريفييرا الفرنسية.
وأنا أداعب عصافيري الصغيرة بادرني ابني بلا مقدمات: "ماما عندي مشكلة، مشكلة أيه حبيبي، أنا في فرنسا عربي وفي مصر فرنسي، إزاي مش فاهمة، وإن كنت فهمت جيدًا ما يريد قوله، فقال أنا لي عادات وأسلوب تفكير نوعا ما مختلف عن الأوربيين؛ لأنني من أصل عربي، وأنا أيضًا مختلف في مصر؛ لأنني حين أتكلم لا أتكلم مثلهم ولا ألقي النكات بنفس طريقتهم، أنا مختلف هنا ومختلف هناك.
إستندت إلى سور بلكونتي أراقب حركة ميناء موناكو، المراكب تذهب وتجيء وعلى يميني الصخرة العالية تبدو كقاعدة حماية لقصر الأمير الشامخ فوقها، وعلى شمالي جبال الألب الممتدة إلى إيطاليا، جارتنا العزيزة التي كلما اشتقنا إلى البيتزا ومكرونة البستو انطلقنا إليها، فهي تبعد عنا نصف ساعة على الأكثر؛ حيث يلتقي الجنوب الفرنسي بالشمال الإيطالي، وإن كانت عيناك لا تخطئ الجمال الطبيعي الخلاب لمدن الريفييرا والفيلات الأنيقة التي تزينها على جانبي الطريق، تتخللها خضرة منسقة مهندمة تظهر اهتمام فرنسا بهذه المنطقة الراقية من أرضها وصفحة البحر تعانق زرقة السماء وتلقي بأشعة الشمس على الجبال حتى تصل إلى شمال إيطاليا، فتلمح جمالا متواضعا مقارنة بالريفييرا الفرنسية.
وأنا أداعب عصافيري الصغيرة بادرني ابني بلا مقدمات: "ماما عندي مشكلة، مشكلة أيه حبيبي، أنا في فرنسا عربي وفي مصر فرنسي، إزاي مش فاهمة، وإن كنت فهمت جيدًا ما يريد قوله، فقال أنا لي عادات وأسلوب تفكير نوعا ما مختلف عن الأوربيين؛ لأنني من أصل عربي، وأنا أيضًا مختلف في مصر؛ لأنني حين أتكلم لا أتكلم مثلهم ولا ألقي النكات بنفس طريقتهم، أنا مختلف هنا ومختلف هناك.
كان تعليقي على كلامه بالصمت، فهناك مواقف لا تملك فيها غير الصمت؛ لأن الكلام يكون غير مجدٍ بل ربما الكلام مؤلم، فيصبح الصمت أفضل، وكما بالحياة أسئلة تظل إلى الأبد بلا إجابات، يوجد بها أيضًا مواقف تظل إلى الأبد بلا تعليقات.
كان قلبي يتحدث ولكن لساني لا ينطق، فحين تسمع عن ضريبة الغربة شيء وحين تعيشها شيء آخر، تلك الضريبة التي ندفعها تكون أصعب حين تقف عاجزا أمام ابنك، عن تقديم تفسير لهجرتك؛ خوفا من الصورة التي أمضيت عمرك ترسم خطوطها لتجملها في عينيه عن بلدك الأصلي، وخوفًا من أن يبدد التفسير كل جهودك في زرع انتمائه لها، فتكون أعظم ذنوبك أنك حجبت عيوبها عنه، ولعلها ذنوب جميلة، وحين يكبر سأشرح له وستكون ذنوبي عنده مغفورة.
كان قلبي يتحدث ولكن لساني لا ينطق، فحين تسمع عن ضريبة الغربة شيء وحين تعيشها شيء آخر، تلك الضريبة التي ندفعها تكون أصعب حين تقف عاجزا أمام ابنك، عن تقديم تفسير لهجرتك؛ خوفا من الصورة التي أمضيت عمرك ترسم خطوطها لتجملها في عينيه عن بلدك الأصلي، وخوفًا من أن يبدد التفسير كل جهودك في زرع انتمائه لها، فتكون أعظم ذنوبك أنك حجبت عيوبها عنه، ولعلها ذنوب جميلة، وحين يكبر سأشرح له وستكون ذنوبي عنده مغفورة.