رئيس التحرير
عصام كامل

«العدالة في بلاد الفرنجة».. قراءة في التجربة الفرنسية.. جلسة الطلاق تنتهى في 18 دقيقة.. القوانين تتيح للمتقاضى حق الحصول على أي مستندات.. وخبراء يقدمون استشارات مجانية لأصحاب الدعاوى


يقفز مشهد الفنانة أمينة رزق في الفيلم الشهير «أريد حلا» إلى الذهن عند الحديث عن أي معاناة تحدث في المحاكم، فهو بجانب أنه لخص حياة كثير من المصريين وما يتكبدونه من مشقة في دروب العدالة فهو ظل أيقونة حية شاهدة على آلام «مصر التي في المحكمة»، وربما تصبح المعاناة أشد إذا ما حدثت مقارنة بين أنظمتنا القضائية في مصر ونظيرتها في إحدى الدول الأوربية.


فعلى سبيل المثال صرحت وزيرة العدالة الفرنسية بأن جلسة الطلاق الودى لا تستغرق في العادة لديهم أكثر من 18 دقيقة، وقدمت تقريرًا أمام مؤتمر أقيم في اليونيسكو أعدته لجنة قضائية حول «واجبات القاضى في القرن الحادى والعشرين» وأشرف عليه مستشار في محكمة النقض، وأوصى التقرير بإعفاء القضاء من النظر في دعاوى الطلاق خصوصًا إذا لم يكن هناك خلاف بين الزوجين المنفصلين على حضانة الأطفال أو نزاع على الممتلكات المشتركة، خاصة بعد أن كشف هذا التقرير أن قضايا الأحوال الشخصية تشكل نسبة 80% من نشاط المحاكم الفرنسية وأن أغلبها يتعلق بالطلاق وهو ما يحتاج معه إلى تعديل يسمح بأن يتم الانفصال بالتراضى لعدم إشغال القضاة به.

جودة الخدمة القضائية
يعد تطوير قطاع العدل، بمثابة المحرك الأساسى لتحقيق أي تنمية اقتصادية اجتماعية في البلاد، نظرًا لحيوية وأهمية قطاع العدل وتلامسه بمختلف مناحى الحياة الاقتصادية والاجتماعية.. لذا، أصبح البحث في موضوع الجودة القضائية وتحسين أداء الخدمة القضائية، من أهم الأهداف والأولويات التي تستلزمها ضروريات تحديث وعصرنة قطاع العدالة، فجودة القضاء تنطلق من حاجة الإنسان إلى نظام قضائى متكامل، مستقل ونزيه، وهى مسعى ومطلب لجميع فئات المجتمع، سواء العاملين بقطاع العدالة أو المستفيدين من خدماته، ويتطلب تحديد معايير الجودة في الخدمات القضائية، الإحاطة بمستلزمات تحقيقها بقطاع العدل.
لقد تعددت التعريفات المعطاة للجودة في الأداء العملى لقطاع العدالة، أهمها: إن الجودة هي نظام تفعيل للعمل القضائى لتحسين مستوى أدائه وللرفع من الثقة به، فالجودة في مجال الأداء القضائى تعني: محاكمة عادلة، عدالة أقل تكلفة، حياد تام للقاضي، سهولة الوصول إلى المعلومة القضائية، وأيضًا التقييم الذاتى للعدالة لوضع المخططات والمشاريع المستقبلية.

الحديث عن جودة خدمات العدالة ينطلق من حاجة كل مجتمع لقانون، وحاجة هذا القانون لقضاء يضمن تفعيل أحكامه، وإذا انعدمت جودة العدالة، أصبح معها القانون مجرد حبر على ورق.. والحديث عن جودة القضاء، ينطلق من حاجة الإنسان إلى نظام قضائى متكامل، مستقل ونزيه، إذ ما من شك أن ما ينشده المتقاضى والمحامى والقاضى ورجال الفكر والقانون يصب في مصب واحد، هو شيوع العدل ورعاية حقوق المواطن وفق تنظيم محكم يسهم في إرساء قواعده، الحاكمون والمحكومون على حد سواء، إشباعًا لغريزة الإنسان التواقة إلى الحياة في ظل العدل والإنصاف.

ما هي الوسائل التي من شأنها أن توفر عدالة جيدة، وسريعة، هل برصد ميزانية أكبر لجهاز العدالة؟ أو بتوظيفات جديدة للقضاة والإداريين؟ أم أن العدالة تعرف سوء تدبير وتسيير فقط لمواردها البشرية والمادية، ولا يحتاج الأمر سوى إعادة النظر في طريقة تدبير أساليب العمل القضائى داخل المحاكم؟ كل هذه الأسئلة عرضت على بعض الخبراء الفرنسيين في ندوة أقيمت بمعهد الدراسات القضائية في المغرب وطلب منهم عرض التجربة الفرنسية في القضاء، فأجابوا أن هذه التساؤلات وغيرها دفعت المسئولين في فرنسا، إلى إعادة هيكلة قطاع العدل من جديد، بشكل يتماشى ومتطلبات المتقاضين، وتم استعراض تجارب رائدة أهمها: ما اصطلح عليه بـ «منازل العدالة والقانون» Maisons de la justice et de droit: MJD» وتخول هذه المنازل للأفراد حق اللجوء إلى القضاء بسهولة ويسر، حق الحصول على الوثائق والمستندات القانونية، تتبع مسار الإجراءات المسطرية، والحصول على نسخة من القرار القضائي، هذا إلى جانب تقديم استشارات مجانية عند الطلب، وقد ساعدت شبكة المعلومات القضائية التي تم تهيئتها في فرنسا، تماشيا مع سياسة إعادة تأهيل قطاع العدالة وتحسين جودة خدماته، على تحقيق تطوير كبير في نوعية وطريقة تقديم خدمات قطاع العدل.

معايير الاتحاد الأوربي
طرح الخبراء الفرنسيون عدة معايير لقياس جودة العمل القضائى في الاتحاد الأوربي، استنبطت من المعاهدة الأوربية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، وشملت النقاط التالية: سهولة الولوج إلى مرافق العدالة والاستفادة من خدماتها؛ نزاهة القضاة واحترامهم لشرف مهنتهم؛ احترام حق الدفاع وحضور المحامي؛ حياد القضاء؛ احترام حق التعرض وضمانه لكل من يرغب في استعماله؛ إمكانية اطلاع المتقاضين على الملفات التي تهم مصالحهم؛ الحق في الاستعانة بمترجم في التعامل مع القضاء؛ التزام المحاكم بتعليل القرارات التي تصدرها؛ ضمان حق الطعن بكل درجاته لكل من يرغب في اللجوء إليه، وأكدوا أنه عند الحديث عن جودة العدالة، لا بد من الفصل بين أمرين:
أولا: جودة الخدمة العامة «إرشاد، مساعدة...» وهذه الجودة يسهل تحقيقها.
ثانيا: جودة الحكم والإجراءات وهذه الجودة مسألة صعبة ومعقدة.

وسائل عصرية
وعرض ممثلو وزارة العدل الفرنسية توصيات مهمة للغاية في مجال تحديث العمل القضائى وتحسين أدائه، منها:
• الاهتمام بالمتقاضى عن طريق تنمية معارفه القانونية وتنمية روح التقاضى لديه.
• توفير مكاتب للاستقبال بمختلف المحاكم توكل لها مهمة توجيه الوافدين للمحاكم.
• تهيئة مطبوعات ووثائق من شأنها تسهيل عملية رفع الدعاوى وتهيئة الملفات من طرف المتقاضي، هذا دون المساس باختصاصات المحامي.
• الاهتمام بطلبات المتقاضين والاستماع إلى شكاياتهم، والعمل على إرضائهم والاستجابة لتطلعاتهم، فسوء المعاملة يؤدى إلى نفور المتقاضي.
• إدخال وسائل عصرية للتواصل سواء فيما بين المحاكم، أو فيما بين المحاكم والمتقاضين، كالاتصال بالهاتف وعبر الفاكس أو عبر الإنترنت.
• وإذا كان على كل إدارة تريد تحسين جودة خدماتها أن تعمل على تقييم عملها، فإن وسائل التقييم تشمل المراقبة، التفتيش، ثم التقييم الخارجى الذي يتم عبر استقراء آراء المتعاملين مع المرفق، إضافة إلى هذه الوسائل، هناك وسيلة حديثة تتمثل في لوحة القيادة، وهى أداة ضرورية للتدبير وقياس الأنشطة، وتتجلى مزاياها بالأساس فيما يلي:

• استغلال نتائجها في المقارنة بين غرف المحاكم، ومعرفة نوعية القضايا التي تروج بمختلف المحاكم، وحجمها، والوقت الذي تستغرقه كل قضية.
• تمكن هذه اللوحة المسئولين المركزيين من معرفة حاجيات مختلف المحاكم.
• معرفة حجم العمل الذي يقوم به القضاة، كتاب الضبط، وكذلك أعوان القضاء.
• الإلمام بحجم تزايد القضايا أو نقصانها بالمحاكم.
• وتجدر الإشارة إلى أن لوحة القيادة لا تقيس محتوىات الأحكام والقرارات، بل هي وسيلة لمعرفة عدد القضايا المحكومة وعدد القضايا المخلفة، وبالتالى معرفة العراقيل التي تواجه عمل جهاز القضاء، من أجل إيجاد الحلول المناسبة؛ مما يمكن من تحسين جودة العمل القضائي.

• القيام بدراسة ميدانية عن وضعية المحاكم المادية، والتفكير في تسهيل الولوج إلى المعلومة القضائية والاطلاع على مجريات الدعوى ومصير الطلب القضائى بسهولة ويسر من خلال إحداث مكاتب للاستشارات داخل المحاكم تكون تابعة لكتابات الضبط، تتيح للمتقاضى التعرف على مصير دعواه القضائية، إما مباشرة أو عن طريق موظف يسهل تلك العملية.

• لا بد من وضع أسلوب منهجى للتدبير والتسيير « Un système marketing » في مجال العدالة، ذلك أن جودة العدالة تعنى جودة مصار الملف القضائي، من مثل: تقرير آجال زمنية مضبوطة ومعقولة للحكم في القضايا المعروضة على غرار التجربة الفرنسية- وهذا من شأنه أن يقلص من كلفة الحكم « Le coût du jugement »، التنظيم المحكم للجلسات القضائية والإعلان عنها من خلال جدول زمنى مضبوط، بالوسائل التي من شأنها أن تطلع المتقاضى بكل سهولة ويسر على تاريخ جلسة دعواه، مكان الجلسة، ومكان وجود مقر الجلسة، القضاة المكلفون بالقضية وغير ذلك من المعلومات.

• إنجاز قاعدة للمعطيات القضائية، تضم إحصائيات ميدانية منجزة في المحاكم حول العديد من النقاط، مثلا: عدد ونوعية القضايا المعروضة على المحاكم، كلفة الملف القضائي، مدة صيرورة القضايا كل بحسب نوعيته.. أيضًا استغلال الإحصائيات التي تنجز على صعيد المحاكم شهريا أو دوريا أو سنويا أو في شكل تقارير سنوية ترسل للإدارة المركزية، من أجل قراءة الأرقام والبحث عن مكامن الاختلالات التي يمكن رصدها.
الجريدة الرسمية