«نقد الخطاب الديني».. كتاب سبّب أزمة بين مؤلفه والمؤسسات الدينية
"نقد الخطاب الديني" هو عنوان الكتاب الذي زاد من الخلافات بين مؤلفه الدكتور نصر حامد أبو زيد، والمؤسسات الدينية، فالكتاب عبارة عن دراسة تقوم على تأمل فاحص، واع للتراث مع مناقشة كافة الاتجاهات الحديثة لتوجه الخطاب الديني.
ويحتوي الكتاب على مقدمة وثلاثة فصول، في المقدمة يتحدث المؤلف عن موضوع الكتاب، وهو ظاهرة المد الديني الإسلامي، والاتجاهات أو المواقف الثلاثة إزاء هذه الظاهرة، وأولها اتجاه المؤسسة الدينية المتمثلة في الأزهر وبعض رجال الدين المصنفين في صفوف "المعارضة الدينية"، والاتجاه الثاني هو اتجاه ما يسمى باليسار الإسلامي، والاتجاه الثالث هو الذي يمثله التنويرون أو العلمانيون.
ويرى المؤلف بأن لكل من هذه الاتجاهات طريقة خاصة في قراءة النصوص الدينية ما يقتضي طرح إشكاليات قراءة النصوص الدينية وانعكاس اختلاف القراءة على ما يدور الآن على الساحة من معارك شاملة على جميع المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وحدد المؤلف منذ البداية "أن الدين يجب أن يكون عنصرًا أساسيًا في أي مشروع للنهضة".
ويدور الفصل الأول حول الخطاب الديني المعاصر: آلياته ومنطلقاته الفكرية، ومعه لا يجد أبو زيد اختلافا بين (المعتدلين) و(المتطرفين) في مجمل هذا الخطاب إذ أن كلا الجانبين يعتمد على عناصر أساسية غير قابلة للنقاش أهمها النص والحاكمية، كما أنهما يتطابقان من حيث الآليات التي يعتمد عليها كلاهما في طرح المفاهيم، ويجمل الباحث هذه الآليات في التوحيد بين الفكر والدين، وإلغاء المسافة بين الذات والموضوع وتفسير الظواهر كلها بردها إلى مبدأ أول هو (الحاكمية) الإلهية، بوصفها نقيضا لحاكمية البشر والاعتماد على سلطة السلف أو التراث وتحويل النصوص التراثية الثانوية إلى نصوص أولية لها من القداسة ما للنصوص الأصلية والحسم الفكري والقطعي وإهدار البعد التاريخي وتجاهله.
في الفصل الثاني يتناول المؤلف موضوع التراث بين التأويل والتلوين، وهو دراسة نقدية لمشروع ما يسمى باليسار الإسلامي، يمزج في هذا الفصل بين عرض آراء حسن حنفي ونقدها، وذلك بعد تقديم يوضح فيه الفرق بين مفهوم التأويل والتكوين، ويعني بالتكوين القراءة المغرضة للنصوص على نحو تتخفى فيه التوجهات الأيديولوجية تحت شعار الموضوعية العلمية والحياد المعرفي.
ويستعرض المؤلف بعد ذلك عناصر الخطاب الديني لدى هذا التيار الإسلامي، الذي لم يظهر بوصفه اتجاهًا فكريًا إلا في أوائل الثمانينيات، ويرى أن هذه العناصر تمثل بمجملها لونًا من التوفيقية بين السلفية الدينية والاتجاه العلماني ما أوقع هذا التيار (اليسار الإسلامي)- بنظر أبو زيد- في كثير من المتناقضات منها إهدار الدلالة التاريخية في قراءته للنص التراثي والنظرة إلى التراث على أنه (بناء شعوري) مع رفض منهج التحليل التاريخي، وبهذا يصبح ما طمح إليه اليسار الإسلامي من إعادة بناء التراث مجرد عملية إعادة طلاء، وذلك بوضع لافتات جديدة للموضوعات الخمسة التي يتضمنها علم الكلام الإسلامي بحسب التصور الأشعري، بحيث تتجاور المصطلحات القديمة والمفاهيم العصرية في علاقة لا تتجاوز المشابهة، مع وضوح الانحياز في كثير من الأحيان إلى الآراء الأشعرية المتسمة بالجمود على حساب الآراء الاعتزالية التي تمثل في نظر المؤلف سلطة العقل ومناهضة الاستبداد والدعوة إلى العدل.
وفي الفصل الثالث يتناول المؤلف (قراءة النصوص الدينية) في دراسة استكشافية لأنماط الدلالة وهو يبدأ بالتفرقة بين (الدين) و(الفكر الديني)، وكما تم التنويه عنه قبل قليل، والذي لا يكتسب من الدين قداسته، بل هو الاجتهادات البشرية لفهم النصوص الدينية وتأويلها، فهو بذلك ليس بمعزل عن القوانين العامة التي تحكم حركة الفكر البشري عمومًا، ومن هنا يشرع في نقد عدد من الأحكام التي تصدرها بعض المؤسسات أو الجهات من منطلق خطاب ديني يفرض تفسيره للنصوص منحرفًا بها عن سياقها التاريخي ومضفيًا عليها لباسًا متافيزيقيًا سرمديًا، هذا مع أن النصوص الدينية لا تنفك عن النظام اللغوي العام للثقافة التي ينتمي إليها وهي مرتبطة بواقعها اللغوي والثقافي، فالنص القرآني نص لغوي لا تمنع طبيعته الإلهية من دراسته وتحليله بمنهج بشري وإلا تحول إلى نص مستغلق على فهم الإنسان العادي، مقصد الوحي وغايته.