رئيس التحرير
عصام كامل

«أتاتورك» عرف يربّي


كانت انتخابات تركيا في تلك المرة فاصلة، أردوغان يسقط من على كرسيه بعد ثلاثة عشر عام قضاها حزبه في السلطة، أحزاب جديدة ظهرت للساحة مؤكدة أنها قادرة على التمسك بالديمقراطية وحكم البلاد وفق إرادة الشعب، أسباب كثيرة تناولها المختصون عن سقوط أردوغان الذي بدا طبيعيًا على الأقل بالنسبة لي، أحلام السلطنة كانت تداهمه بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، كان نشاط المعارضة قويًا واستطاعوا أن يوجهوا له الضربة تلو الأخرى الأهم من ذلك هو الشعب التركي نفسه.


لماذا سقط أردوغان؟ في رأيي إن كل ما قيل عن أسباب سقوطه من دوره غير البريء في المنطقة، وما أصاب التنظيم الدولي للإخوان عامة هي أسباب ثانوية لم تحرك الناخب التركي قدر ما حركته تحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي وهو أمر لم يعتاد عليه الشعب التركي ليس فقط لأن الأمر يتعلق بسلطات ستنتقل من رئيس وزراء إلى رئيس وإنما تغير في هوية الدولة.

منذ أن قام مصطفى كمال أتاتورك بتأسيس تركيا الحديثة التزم بقواعد محددة منها الدولة علمانية، ثم أضيف عليها بعد ذلك أن النظام البرلماني الذي عاش فيه الشعب طيلة السنوات الماضية، فجأة أراد شخص ما تغيير هذا النظام، حتى لو كان أردوغان الذي يحبه شريحة كبيرة من الأتراك لكن يبقى التغيير مرفوضا ربما شعروا للحظة أنها البداية نحو الأسلمة، كان دور الناخب التركي واضحا وجليا ومشرفا في آن واحد في أن يرفض هذا الأمر ويعرقله بفضيحة مدوية لمن أراد فعل ذلك.

مشهد آخر لا يقل روعة عما فعله الشعب التركي وهو موقف الأكراد أحد أكبر العرقيات في العالم والمقدرة بـ22 مليون مواطن وفق بعض الإحصاءات، فهم لأول مرة يتركون السلاح، ويشاركون في العملية الانتخابية بلاشك الأمر بشرة خير للأتراك لأن مشاركة الأكراد معناه ترك السلاح والإندماج في المجتمع، رغم ما تعرضوا له من اضطهاد خلال حياتهم.

نجاح الأكراد في تلك المرة لم يكن بسبب خوضهم للانتخابات فقط فقد فعلوها قبل ذلك من خلال رجلهم صلاح الدين دميرتاش الذي حل في المركز الثالث، بل إن نجاحهم الحقيقي كان من خلال استطاعتهم أن يضموا الناخب التركي غير الكردي إليهم، أن يتحدثوا بلغة الدولة لا بلغة العرقية وأن يقنعوا ناخبا أيا كان أن ينضم إليهم.

لك أن تتخيل وأن تشاهد الأكراد ماذا سيحدث لو فعل أهالي النوبة في مصر نفس الأمر خاضوا الانتخابات كمصريين لا كنوبة، أو أهالي سيناء بدلا من الشكوى أن هناك بلدا يضطهدهم دون أي ذنب رغم أنهم يمتلكون كل الحقوق السياسية والدستورية.

بقي أردوغان أو سقط أو حتى عاد من جديد يبقي تجربة أثبتها الشعب التركي هو إنه يملك إرادته ليس لأن هناك حكام يحلمون بالديمقراطية ويؤمنون بالتغيير السلمي كما يروج البعض لكن بسبب شعب استطاع أن يثق بأحزاب ويعطي أصواتهم لرجال حتى لو كان هؤلاء من الأكراد.
الجريدة الرسمية