عودة فوانيس رمضان محلية الصنع بالقاهرة
تبدو البشائر الأولى لرمضان في القاهرة حينما تعرض الفوانيس في الشوارع والأسواق، ويختلف المؤرخون حول قصة الفانوس هناك، ولكن مما لا شك فيه هو أن "فانوس رمضان" أصبح جزءًا من الفلكلور المصري، كما في التقرير التالي.
في حي السيدة زينب بالقاهرة يوجد أكبر أسواق الفوانيس في مصر، يفترش تجار "فوانيس رمضان" الشارع الطويل بجميع الأنواع والأحجام، تبدأ الاستعدادات قبل رمضان بشهر كامل، يبدو أن مرور مئات السنين لم ينجح في زعزعة جذور الفانوس من قلب القاهرة الفاطمية.
في منطقة بركة الفيل المحاطة بآثار القاهرة الفاطمية، يجلس سلامة حنفي ذو الــ67 عامًا في ورشتة ذات الحوائط، البالية، حوله عدد من الصناع أغلبهم من عائلته وممن تعلموا على يديه.
حنفي يتغزل بفوانيسه التي قضى بينها عمرًا ويمسك بإحداها ويقول "كان عمري ست سنوات حين بدأت تعلم المهنة ولا أتذكر أني مللتها يوما ما".
الفانوس بالنسبة لـ"حنفي" حياة وذكريات، فهو يروى تاريخ مصر من خلال فوانيسه ويتذكر ملك مصر الأخير فاروق الذي "صنعوا له فانوسا باسمه لتزيين القصر"، وحتى عند دخول الراديو لمصر "صنعنا أول فانوس من الصاج على شكل راديو، لقد كنا نقيس الزمن بالفانوس".
في لقائه مع DW يحكي حنفي: "تصنع فوانيس عند كل حدث وفي اي احتفال وتباع في شهر رمضان، حتى بعد حرب أكتوبر عام 1973 صنعنا فوانيس النصر من خلال تصميم طائرات وصواريخ، كما احتفلنا بالترام من خلال صناعة فانوس يشبهه".
أغنية " وحوي يا وحوي" والتي جرت العادة على استهلال شهر رمضان بها ارتبطت بالفانوس، "حين كنت صغيرًا كنا نخرج حاملين الفانوس مضيئين شمعته بعد الإفطار لغناء "وحوي يا وحوي" ولجمع الحلويات من الجيران، وهذا ما كان يعطي لرمضان طعمًا خاصًا للأطفال".
منذ ستين عامًا يذهب حنفي يوميا إلى ورشته، عدا يوم الجمعة . يصنع الفوانيس على مدى العام ويبيعها في شهر رمضان فقط، حينها يتوقف عن العمل ويكتفى بمشاهدة فوانيسه التي تزين الشوارع والنوافذ والبيوت.
تطوير وتوريث المهنة
كان الفانوس يقوم بدور الإنارة قبل انتشار الكهرباء، ومع مرور الزمن تحول إلى قطعة تجميل، لتزيين الأجواء الرمضانية، يتنافس الأهالي في الأحياء والشوارع بحجم وجمال زينة الفانوس، يتنهد حنفى ويتذكر "كانت هناك مسابقات حول جمال الفانوس وتزيين الشوارع في شهر رمضان، ويجتمع شباب الحي للقيام بذلك، الآن أصبح كل شيء جاهزًا وبلا طعم".
واكبت صناعة الفانوس مختلف العصور، حيث تم إدخال الزجاج جاهز اللون والقوالب الجاهزة "فالمهنة لم تتوقف أمام المتطلبات الجديدة، فطورنا أنفسنا لنجاري السوق ولزيادة مستوى الدخل الذي أصبح ضئيلا".
بالقرب من حنفى يجلس حفيده إيهاب ( 10 سنوات)، يستمع إلى إرشادات جده في كيفية تلميع وصقل الألوان، إيهاب الذي يوجد في إجازة المدرسة الابتدائية، يجلس إلى جوار أبيه الذي ورث المهنة عن أبيه أيضًا، وإلى جوار جده، محاولا التعلم بالممارسة ويقول: "أحب شكل الفانوس وأشعر بفخر حينما أشارك في عمل أحدهم، أبي وجدي في المهنة وبالطبع سأتعلمها منهما حتى ولو عملت في مجال آخر".
على طاولة قريبة يجلس سيد حنفى (50 عامًا)، الأخ الأصغر لسلامة ويقول: "تعلمت على يد أخى سلامة الذي ورث المهنة عن أنسابه، والآن معظم أفراد العائلة يعملون في صناعة الفوانيس".
عن سؤال DW بشأن تراجع ظاهرة فانوس رمضان أجاب سلامة حنفي: "الفانوس سيظل معروضًا ما دام رمضان موجودًا"، غير أنه يجيب بحسرة، ويقول سيد حنفى "منذ القدم والناس يستهينون بمهنتنا حتى أنهم يعتقدون أننا نعمل فقط في رمضان"، ويضيف قائلا "الشباب لا يريد تعلم المهنة وفنونها، التجارة أصبحت أسهل وأخشى على الفانوس الحقيقي من النسيان".
منافسة خاسرة
فانوس رمضان المصنوع يدويًا من الصاج المصقول والزجاج الملون والمضاء بالشموع لم يعد وحده بطل السوق، فقد ظهر منذ بضع سنوات الفوانيس المضاءة بالبطاريات والمصنوعة من البلاستيك وبأشكال ألعاب الأطفال والتي يتم استيرادها من خارج مصر، حينها اهتزت الأرض تحت أقدام الفانوس التقليدي وركز الصناع على إخراج أنفسهم و"الفانوس" من هذا المأزق.
ويقول السيد حنفي: "لقد تأثرت حياتنا وصناعتنا بتلك الفوانيس فتوقفنا نحو عامين عن صناعة الفوانيس ذات الحجم الصغير للأطفال، حيث أصبح القبول أكبر على الفانوس الصيني الذي يغني ويضاء بالبطارية".
بنبرة حادة يرفض سلامة حنفى الاعتراف بالفانوس البلاستيك "إنها ألعاب أطفال يستوردونها من الصين، لا يصح أصلا إطلاق اسم فانوس عليها".
يضع حنفى مقاييس لشكل وخامات الفانوس ويقول "مهنتنا لا يعرفها غيرنا وهذه منتجات دخيلة على التراث ولا مجال للمنافسة".
ولكي يصبح فانوس رمضان في شكل جديد كلعبة للأطفال، وجب على الصناع ابتكار أشكال جديدة، فدخلت إلى الساحة أيضًا الفوانيس الخشبية والمصنوعة يدويًا من الخرز وفوانيس القماش الملون.
منذ بضعة أعوام جاء قرار وزير الصناعة والتجارة المصري منير فخري عبد النور بمنع استيراد المصنوعات المتعلقة بالتراث، حيث تم توقيف استيراد "فانوس رمضان"، القرار استاء له بعض المستوردين، إلا أنه في رأي الصناع يمنح فانوس رمضان الأصيل انتعاشة للمنافسة.
هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل