رئيس التحرير
عصام كامل

غدًا أموتُ.. وتبقي سيرتي


في مثل يومٍ من أيام هذا الشهر، ستستيقظ زوجتي المستقبلية، وتحتفل بذكرى مولدي، ومعها أولادي، - إن رزقني الله_، حينها أكون فارقت الحياة، لم يبق منى غير أبناء يذكر اسمي بعد اسمهم.


تفصلني أيام على إتمام العشرين وفوقها الأربعة، لا تختزن ذاكرتي شيئًا ذا بالٍ من طفولتي سوي سويعات، ولا أذكر من رعونتي غير بعض الجرائم، وبعض المشاحنات، وكثير من الشغب المهذب.

عشتُ طفلاً متشردًا خلوقًا، كنت وأخي الأصغر نختلق المشاكل لنضرب هذا وذاك، كان طفلاً أكثر مني اصطناعا للمشاكل، وكنت دائم الاستفزاز له، أستمد لذتي من «حرق دمه». 

أما أبي فكان عصبيا وما زال، أفعل الجريمة و«يلبسها» أخي الأصغر فيأخذ من أبيه ما يستحق، لا يفكر أبي حين يعاقبه، كان يضربه بأي شئ في يده، مرة بـ«الترابيزة»، وأخري بـ«طفاية»، وثالثة بـ«كوب الماء» وحينها كانت تنتابني فرحة عارمة، وخوف من أن أنال ما أستحق.

مرت الأيام وكبرنا ومازال هو في شقاوته، والتزمت أنا بالأدب_ قدر المستطاع_، وبدأت أحتك بطبقات أعلي وتعلمت مخاطبة الكبار _ أو«حرامية البلد»_، ولم يتغير شئ في شخصيتي سوى أنني أصبحت أكتر عصبية وأقل حلما.

بعد العشرين تمنيت أن يتوقف بي العمر وأن أبقي أنا الطفل العجوز كما ينعتني عمي _رحمة الله عليه، ومرت السنوات وتسرب العمر من بين يديّ، وانفرط العقد وما زال، وتصدعت أركان شخصيتي الطفولية، وكالعادة كنت أنتظر ذلك اليوم الذي أكبر فيه وأصبح الأستاذ الصحفي، صاحب المال والجاه، وما إن كبرت تمنيت أن أعود إلى حضن الطفولة وارتمي معتذرا عن تمردي عليها

أصبح كاهلي محملا بقدر من الهموم لا أظنها تصلح لشاب مثلي، ما عاد الطفل يضحك كما كان، وما عاد الزمان يضحك له كما عوّده، لم يتغير شئ سوي أنني وجدت إنسانة نقية ارتضت أن تكون «خطيبة» لي ولا أظن أنني أستحقها.

ما تغير شئ سوي أنني وجدت القبح ظاهرا على وجوه الناس بعد أن منعتني براءة الأطفال من رؤيته، أضحي النقاء عملة نادرة في وجه بني البشر، أن تجد شخصا سويا لم يعد بالأمر اليسير.

حلمت أن أكون صحفيا مُذ كنت أَحمِل 14 عاما وربما قبل ذلك، وها أنا أصبحتُ، وحققت نصف الحلم وامتهنت الصحافة لكن ليست تلك التي تمنيت وتخيلت.
الجريدة الرسمية