رئيس التحرير
عصام كامل

«الملكية الفكرية» إذا لم تستح فاسرق ما شئت.. بالقانون.. إهدار حقوق أصحاب «براءات الاختراع» مصر الثانية عالميًا في السرقات العلمية.. رئيس أكاديمية البحث العلمى: غياب العقوبات الرادع


من الممكن تقبل أي سرقات مادية، على أساس أنها قابلة للتعويض، لكن الأمر يصبح صعبا عندما لا يخطئ «لص العقول» قانون حماية الملكية الفكرية، رغم أنها أكثر صور الملكية استحقاقا للحماية، فالممارسات الفكرية الإبداعية تمثل الدعامة الرئيسية التي تتبلور من خلالها الثقافات والتقدم العلمى والتكنولوجي، لذلك اقتضت الضرورة حماية الحقوق الخاصة بأصحابها وإضفاء الحماية على إنتاجهم، سواء كان أدبيا أو فنيا أو صناعيا، وتمكينهم من استغلاله والاستفادة منه، ليحصلوا على الحافز من وراء ذلك، وبالتالى إضافة المزيد من الإبداع.


ولأن لكل قانون ثغراته التي تفقده فعاليته، لم يكن قانون 82 لسنة 2002 بعيدًا عن تضمنه للعديد من المشكلات القانونية والتنظيمية التي بدورها تمثل إهدارًا لحقوق أصحاب الملكيات الفكرية وتعقيدًا لها؛ إذ تواجه حماية الملكية الفكرية بعض الانتقادات وعدم التطبيق.

وعلى الرغم من وجود قانون يحمى الملكية الفكرية إلا أنه يوجد أكثر من ظاهرة تنافى القانون، منها انتشار ظاهرة سرقة الرسائل العلمية في مصر والوطن العربي، ما أدى إلى تخلف الجامعات العربية عن سلسلة أفضل الجامعات في العالم.
السرقة الأدبية والعلمية بدأت بسرقة فصول أو أبحاث، ثم انتهت إلى سرقة كتب بأكملها من الغلاف إلى الغلاف، وساهم في هذا بعض أساتذة الجامعات المشرفين على الرسائل الجامعية، بتسترهم على بعض الدخلاء على الحقل العلمى نظير المال، وتدريجيا تحول الأمر إلى عصابات منظمة.

داخل الجامعات المصرية والمراكز البحثية توجد سرقات علمية بأرقام تدعو للخجل، والهدف الرئيسى منها هو الترقية في العمل فقط، ولكن هذه الأعمال منافية لقانون واجب تطبيقه على كل من يخالفه.

وينقسم قانون حماية الملكية الفكرية إلى الملكية الصناعية التي تشمل الاختراعات (البراءات)، والبراءة حق استئثارى يمنح لاختراع ما، وبشكل عام تمنح لصاحبها حق البت في إمكانية أو كيفية استخدام الآخرين للاختراع، ومقابل هذا الحق، يتيح صاحب البراءة للجمهور المعلومات التقنية عن الاختراع في وثيقة البراءة المنشورة.

وهناك العلامات التجارية، وهى إشارة تميز سلع أو خدمات شركة عن مثيلاتها في سائر الشركات، ويعود أصل العلامة التجارية إلى العصور القديمة؛ حيث كان الحرفيون يضعون توقيعاتهم أو «علاماتهم» على منتجاتهم، وحتى يحمى القانون العلامة التجارية يجب أن تكون مميزة وغير مضللة وغير مخالفة للنظام العام والآداب.

الملكية الصناعية تضم أيضا الرسوم والنماذج الصناعية، والتصميم الصناعى هو المظهر الزخرفى أو الجمالى لقطعة ما، ومن الممكن أن يتألف التصميم من عناصر ثلاثية الأبعاد، مثل شكل القطعة أو سطحها، أو من عناصر ثنائية الأبعاد، مثل الرسوم أو الخطوط أو الألوان.

ولا يمكن إغفال بيانات المصدر الجغرافية وتسميات المنشأ، وهى إشارات توضع على السلع ذات منشأ جغرافى محدد وصفات أو شهرة أو خصائص يمكن عزوها أساسًا إلى ذلك المنشأ، ومن المألوف أن يضم البيان الجغرافى اسم مكان منشأ السلع.

أما القسم الثانى للملكية الفكرية والأدبية فيتضمن حق المؤلف، وهو حق من حقوق الملكية الفكرية يحمى نتاج العمل الفكرى من الأعمال الأدبية والفنية مثل «الروايات والقصائد والمسرحيات والأفلام والألحان والرسوم والزخارف والصور الشمسية والتصميمات الهندسية».

وتوجد حقوق مجاورة لحق المؤلف، يمنحها القانون لفئات معينة مثل المنتجين وفنانى الأداء وهيئات الإذاعة، تساعد المبتكرين على توصيل رسالتهم للجمهور ونشر أعمالهم، كحقوق فنانى الأداء المتعلقة بأدائهم، وحقوق منتجى التسجيلات الصوتية المرتبطة بتسجيلاتهم وحقوق هيئات الإذاعة المتصلة ببرامج الراديو والتليفزيون.

كما يشمل قانون حماية الملكية الفكرية بالنسبة لحقوق للمؤلف: منع الآخرين من التعامل في ملكه دون الحصول على إذن مسبق منه، ويحق له مقاضاتهم في حالة التعدى على حقوقه، والمطالبة بوقف التعدى ووقف استمراره، والتعويض عما أصابه من ضرر.

وتسمح الملكية الفكرية لكل من المبدع ومالك العلامة التجارية وبراءة الاختراع وحق المؤلف، بالاستفادة من عمله وتعبه واستثماره، وهذا لا يعنى أنه احتكر الفكر على الآخرين، بل العكس؛ حيث ترد هذه الحقوق في المواد القانونية من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان، الذي ينص على حق الاستفادة من حماية المصالح المعنوية والمادية الناجمة عن نسبة النتاج العملى أو الأدبى أو الفني.

وفرق القانون بين التقليد والتزوير، فتزوير العلامة التجارية هو نقل كامل مطابق للأصل، أو نقل الأجزاء الرئيسية منها، ما يجعل العلامة المزورة مطابقة للعلامة الأصلية إلى حد كبير.

بينما تقليد العلامة التجارية، يعنى اصطناع علامة تماثل في مجموعها العلامة الأصلية، تماثلًا من شأنه أن يضلل الجمهور بخصوص مصدر البضاعة التي تميزها العلامة.

كما حدد القانون أساليب التقليد والغش، وهى تختلف بحسب طبيعة ونوع السلعة ووسائل الجانى وأدواته والإمكانيات المتاحة، وتتنوع الطرق بهدف محاكاة المنتج الأصلى ظاهريًا، وكان لاستخدام التكنولوجيا في تصنيع السلع المقلدة الدور الأكبر في الوصول بها إلى درجة عالية من التشابه مع السلع الأصلية وصعوبة التمييز بينهما.

اختراق القانون
القول إن قانون حماية الملكية الفكرية غير مطبق بالفعل، لا يحتاج تأكيدا أكثر من تقرير الاتحاد الدولى الصادر مؤخرا؛ إذ يثبت أن مصر الثانية عالميًا في السرقات العلمية، إلى جانب الأخذ من الأبحاث العلمية، وعدم ذكر أي مرجع علمى لها.
أنواع اختراق القانون تتعدد، لكن أهمها سرقة بحث منشور بمجلة عالمية لباحث أجنبى أو مصري، ونشره في مجلة محلية بهدف الترقية، أو سرقة بحث بمجلة عالمية ولكن بطريقة مقننة حتى لا يظهر ما تمت سرقته ثم نشره بمجلة أخرى عالمية، وهنا يكون الهدف زيادة الصيت الدولى للباحث وانتعاش سيرته الذاتية، وبالتالى يحصل على ترقيات ويتربح أموالًا أكثر.

ولا تقتصر السرقات على مجال الأبحاث العلمية فقط، بل تمتد إلى الكتب العلمية، وهى كارثة أكبر، لنقل معلومات من كتاب لآخر، ليستمر في الأسواق مدى الحياة، خصوصًا أن وسائل الاتصال الحديثة ومواقع الإنترنت المختلفة سهلت السرقة عما كانت عليه في الماضي.

سرقة براءات الاختراع
أما المفاجأة الصادمة، فهى سرقات براءات الاختراع من مكتب براءات الاختراع المصري؛ حيث أبلغ عدد كبير من شباب المخترعين المصريين عن سرقة اختراعاتهم من خلال أجهزة الكمبيوتر، مؤكدين أن هذه الأجهزة يمكن اختراقها بسهولة من بلاد أخرى، وسرقة البيانات الخاصة من داخل الأجهزة، الأمر الذي يدفعهم إلى تسجيل براءاتهم بالخارج دون مصر لحماية الملكية الفكرية.

أحد شباب الباحثين حكى قصته مع مكتب براءات الاختراع، قائلا: «تقدمت للحصول على براءاة اختراع جهاز أمني، إلا أن مسئولا بمكتب براءات الاختراع أخبرنى بأنها تتطلب قانونا أن يظل الباحث مدة سنتين ونصف، وذات يوم كنت أجلس على الكمبيوتر الخاص بى أبحث في الإنترنت، ففوجئت بحصول باحث آخر على براءة الاختراع نفسه من دولة أخرى تعطى شهادة البراءة خلال 6 أشهر، فساورنى الشك في أن مكتب براءات الاختراع المصرى غير مؤمن.

سرقات يصعب اكتشافها
وعن ثغرات القوانين، تحدث الدكتور محمود صقر - رئيس أكاديمية البحث العلمى والتكنولوجيا – قائلا: «لكل قانون عيوبه وثغراته وغياب العقوبات الرادعة سبب اختراق القانون فقانون حماية الملكية الفكرية واسع، وأبوابه كبيرة للغاية، ويوجد اختراقات عديدة له يصعب اكتشافها في بعض الحالات».

وباعتقاد «صقر»، لا بد من تعديل بعض مواد القانون أو وضع عقوبات رادعة لمن يثبت عليه اختراقه، فحماية الملكية الفكرية حماية للعقول المصرية من أي لص، كما أن السرقات العلمية كثيرة للغاية، خاصة في المجال البحثي؛ بغية الحصول على ترقيات على حساب عقول آخرين. ويبقي عدم تفعيل القانون وغياب الضمير مسوغًا لتفاقم الظاهرة وتفشيها على نحو مزعج ومريب.
الجريدة الرسمية