رئيس التحرير
عصام كامل

حيرة السيسي بين مطالب الشعب ورجال الأعمال !


رجال الأعمال في مصر هم المرض العضال والسرطان الذي أصاب جسد الوطن خلال الأربعة عقود الأخيرة، وهم تلك المجموعة التي تكونت نواتها الأولى في عهد السادات وبعد إطلاق صيحته الشهيرة بأن 99% من أوراق اللعبة بيد الأمريكان، وهو ما يعنى تخليه عن المشروع التنموى الوطنى الذي كانت تقوده الدولة في أعقاب ثورة يوليو 1952 وحتى مطلع السبعينيات، لصالح مشروع التبعية للنظام الرأسمالى العالمى، فأعقب ذلك تطبيق سياسة الانفتاح الاقتصادى التي خرج من رحمها ما عرف إعلاميا بالقطط السمان وهم النواة الأولى لرجال الأعمال الذين يسيطرون الآن على الجزء الأكبر من الاقتصاد الوطنى، وأجبروا السلطة السياسية على السير في عكس الاتجاه التنموى الوطنى لصالح مشروع رأسمالى غربي يسعى لتحويل مجتمعاتنا من مجتمعات منتجة إلى مجتمعات مستهلكة غير قادرة على الفكاك من أسر التبعية للنظام الرأسمالى العالمى.


حيث تم اغتصاب السلطة فيما عرف إعلاميا بتزاوج رأس المال والسلطة خلال سنوات حكم تابع السادات المدعو مبارك الذي ترعرع ونما مشروع التبعية في عهده بشكل غير مسبوق، حيث تخلت الدولة تماما ونهائيا عن لعب أي دور تنموى أو إنتاجى بل قامت بتنفيذ أجندة صندوق النقد والبنك الدوليين، وألقت مسئولية العملية التنموية وما أطلقت عليه إعلاميا الإصلاح الاقتصادى على عاتق مجموعة رجال الأعمال أو القطط السمان التي تكونت ثرواتهم بشكل سريع وغير مبرر من عمليات سمسرة بعيدة كل البعد عن العملية الإنتاجية، وتحولت القطط السمان إلى أفيال ضخمة ابتلعت خيرات وثروات الوطن في بطونها وحولت جزءا كبيرا من هذه الثروات لصالح المشروع الرأسمالى الغربى الاستعمارى الذي احتضنها وكان المظلة التي احتموا بها من أجل الاستمرار في مواقع اتخاذ القرار سياسيا واقتصاديا.

وظل الوضع كذلك حتى تفاقمت الأزمة الاقتصادية داخليا وألقت بظلالها على الوضع الاجتماعى للغالبية العظمى من المصريين، حيث سقطت الطبقة الوسطى من فوق السلم الاجتماعى وتحولت غالبيتها إلى فقراء وكادحين يقبعون في قاع المجتمع، وفشل النظام السياسي ورجال أعماله في أحدث الإصلاح الاقتصادى المزعوم، وتحت وطأة الفقر والقهر والاستبداد انفجر الطوفان الاجتماعى المصرى في 25 يناير 2011.

وكانت مطالبه محددة وبدقة عيش – حرية - عدالة اجتماعية، ولم تستطع السلطة السياسية الهشة الصمود في وجه الشعب كثيرا وتهاوت في عدة أيام، وتحت الضغوط الشعبية الرهيبة على المجلس العسكري الذي تولى إدارة شئون البلاد مؤقتا تم الدفع بمبارك وعصابته السياسية وبعض رجال أعماله إلى غياهب السجون بتهم ضعيفة غير التهم الحقيقية التي كان يجب أن يحاكموا عليها، لذلك وجدوا بعد ذلك ممرات وثغرات آمنة في القانون نفذوا منها وخرجوا في محاولة لاستعادة مواقعهم القديمة.

ورحل المجلس العسكري وجاء إخوان الإرهاب وحاولوا الاستمرار على نفس النهج القديم وفى أحضان النظام الرأسمالى العالمى، واستبدال رجال أعمالهم برجال أعمال مبارك، واشتدت الأزمة الاقتصادية وخرج عليهم الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013، في موجة جديدة من الطوفان وخلعهم ودفع بهم إلى مكانهم الطبيعى خلف أسوار السجون والمعتقلات، وظل الشعار المرفوع كما هو عيش – حرية - عدالة اجتماعية.

وجاء الشعب بقائد الجيش ثقة في المؤسسة العسكرية ونزاهتها وقدرتها على الخروج من الأزمة ومواجهة كل القوى الفاسدة القديمة سواء نظام مبارك ورجال أعماله العائدين بقوة بعد مسلسل البراءة الهزيل، والإخوان المسلمين ورجال أعمالهم، وكلهما تابع للمشروع الرأسمالى العالمى، وهو المشروع الذي أفقر الغالبية العظمى من شعب مصر.

وحاول الرجل عبر العام الماضى رسم خارطة تكتيكية للمستقبل تعتمد على مواجهة الإخوان المسلمين بحسم وقوة، وترهيب وترغيب رجال أعمال مبارك المسيطرين على الاقتصاد الوطنى، ومحاولة البعد عن النظام الرأسمالى العالمى بخطوات بطيئة – على استحياء –، لكن هذه السياسة التكتيكية لا تأتى بنتائج سريعة على مستوى تحقيق مطالب الجماهير الشعبية التي تشعر بأن الرجل غير منحاز لهم إلا على المستوى اللفظى حيث عباراته الداعمة لهم والمدغدغة لمشاعرهم والتي سرعان ما يزول تأثيرها تحت وطأة الفقر وضغوط الحياة.

ويبقى رجال الأعمال يقاومون من أجل مصالحهم ومصالح سيدهم الأمريكى القابع فوق رأس النظام الرأسمالى العالمى، والرجل في حيرة من أمره لا هو قادر على تحقيق مطالب الشعب الذي أتى به، ولا قادر على دخول معركة تكسير عظام مع رجال الأعمال التابعين والخادمين للمشروع الرأسمالى العالمى، وهذه الحيرة لابد من حسمها وبشكل سريع فالشعب الجائع لن يصبر كثيرا وعلى استعداد للخروج على الرجل في أي وقت، ورجال الأعمال المرض العضال والسرطان الذي أصاب الوطن يجب استئصاله وبشكل سريع وبمشرط جراح ماهر، فالمسكنات والترهيب والترغيب لن تفلح معه فالمواجهة هي الحل، وليعلم السيسي أن الشعب سيكون خلفه ومعه في هذه المواجهة كما وقف خلفه ودعمه في معركته ضد الإرهاب، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية