رئيس التحرير
عصام كامل

الجلسات العُرفية.. طعنة للدستور وانتهاك للقانون


يؤكد الدستور المصري في مادته الثالثة والخمسين، أن المواطنين متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، وتنص المادة 63 منه على ما يلي: "يُحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك لا تسقط بالتقادم"، هذه تذكرة لا بد منها لكل غير عارفٍ بالدستور أو قارئ لنصوصه.


لقد انتشر الأسبوع الماضي اسم قرية مصرية في وسائل الإعلام المختلفة وفي مواقع التواصل الاجتماعي، وهي "كفر درويش" التابعة لمركز الفشن بمحافظة بني سويف؛ لقيام أهالي القرية بتهجير عائلة مصرية مسيحية من ديارها "18 فردًا"، بزعم نشر أحد أفرادها صورة مسيئة للإسلام على هاتفه المحمول.. وإن صدقت هذه الرواية، فيأخذ القانون مساره وتقديم المدعَى عليه للعدالة.

وقد تمّ هذا التهجير القسري عقب "جلسات عُرفية" بإشراف السيد المحافظ، ومباركة القيادات الأمنية ومشاركة رجال الدين المسلمين والمسيحيين.. وبعد ذلك عادت هذه العائلة إلى القرية، بعد تدخل رئاسة الجمهورية لتصحيح أخطاء كبار المسئولين وصغارهم في هذه المحافظة، التي تبعد 120 كيلومترًا من العاصمة وليست في "الصعيد الجواني"!

ونعتقد أن هذا التهجير القسري لن يكون الأخير في هذا المسلسل المرير، الذي يجب أن يكون ملفه - بكل أوراقه وتفاصيله وتداعياته - على مكتب السيد النائب العام.

إن المقصود من هذه الكلمة، ليس موضوع التهجير، وإنما القضية الأهم والأكثر خطورة وإلحاحًا الآن هي قضية "الجلسات العُرفية" التي انتشرت وتوسعت وتوغلت في أرجاء مصر - ريفها وحضرها - وذلك بهدف حل وإنهاء الخلافات والمنازعات والصراعات بين المواطنين المصريين وبعضهم البعض، خاصة المتعلقة بقضايا الاعتداءات الموجهة ضد المسيحيين وعدم تقديم الجناة للعدالة.

لقد أيدت ودعمت الأنظمة الحاكمة على مدى أكثر من أربعة عقود، هذه الجلسات العُرفية، ووجهت كبار مسئوليها للإشراف عليها، والعمل على إنجاحها بكل الطرق والوسائل والممارسات.

إن الجلسات العُرفية التي درج عليها بعض المصريين في عهود سالفة، خاصة في القرى والنجوع وفي تجمعات القبيلة والعشيرة، يمكن تبريرها - على مضض - لكونها نتاجًا لهذه البيئة أو تلك، وتعود إلى تقاليد وأعراف ممتدة لسنوات بعيدة جدًا، كما أن هذه المناطق بعيدة عن مراكز القضاء، وغالبا ما يرتضي الشاكون والمتخاصمون والمتنازعون بما تسفر عنه هذه الجلسات.

إننا في الوقت ذاته، لسنا برافضين جلسات المحبة والود والمجاملات بين المصريين جميعهم، واشتراكهم في تلطيف الأجواء وتجميل الأوضاع وتحسين الصور، ولكن لسنا في حِلٍ في تبرير إهدار الحقوق أو عدم الالتزام بالواجبات.

إن الاستمرار في دعم هذه الجلسات العُرفية ورعايتها رسميا من قِبل الدولة ومن المؤسسات الدينية الإسلامية والمسيحية، ونحن في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، ليس بالفأل الطيب، كما أن تواصلها في المجتمع يُعد طعنًا للدستور، وانتهاكًا للقانون، بعد ثورتين كبريين في مصر التي تتباهى بين الأمم بحضارة السبعة آلاف عام.
الجريدة الرسمية