رئيس التحرير
عصام كامل

تردي الصناعة التشريعية!


علمنا أستاذنا الجليل الدكتور "حسن كيرة"، وهو يدرس لنا "المدخل للقانون" في السنة الأولى بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، أن "القاعدة القانونية جوهر وصياغة".. بعبارة أخرى القاعدة القانونية تتضمن مضمونًا محددًا، وعلى المشرع أن يجد الصياغة الدقيقة المناسبة له.


والواقع أن لدى مصر المحروسة تراثًا قانونيًا راسخ الجذور، يتمثل في مجموعات بارزة من فقهاء القانون المتبحرين في علم القانون، وعلى أساس المعرفة العميقة بقوانين الدول الأخرى، بالإضافة إلى مجموعات ممتازة من المشرعين ذوي الموهبة الخارقة والقدرات الرفيعة، بالإضافة إلى قضاة أجلاء شرفوا منصة القضاء بأحكامهم المستنيرة التي أعملوا فيها صحيح القانون، وكانت تتميز أحكامهم بالأسلوب الأدبي البليغ، الذي يجعل بعضها قطعًا من الأدب الرفيع.

تغيرت الظروف بعد الازدياد الهائل في كليات الحقوق، وتولي بعض الأساتذة التدريس لآلاف الطلبة، وهم ليسوا على مستوى أساتذتهم للأسف الشديد.

كما أن صناعة التشريع المصرية رفيعة المستوى، التي كانت تتميز بها مصر انحدرت للأسف، وأصبحت عديد من التشريعات والقوانين تصدر المحكمة الدستورية العليا أحكامها بإلغائها؛ للعوار القانوني أو الدستوري الذي لحقها.

ونعرف جيدًا الدور البارز الذي لعبه الفقيه المصري العالمي "عبد الرزاق السنهوري"، الذي أسس مجلس الدولة في مصر احتذاءً للنموذج الفرنسي، ولكنه استطاع من خلال الإبداع القانوني، أن يتجاوز مجلس الدولة الفرنسي بنظريات قانونية مستحدثة تتفق مع الواقع المصري.

كما كان قسم التشريع بمجلس الدولة، الذي ينص القانون على ضرورة عرض التشريعات التي تصدرها الدولة عليه، يقوم بدور رائع في الدراسة النقدية لكل تشريع، وتصويب الأخطاء القانونية والحرص على الدقة في صياغة المواد المختلفة.

وإذا نظرنا الآن إلى الوضع الحالي في مصر في مجال التشريع، لأسفنا أسفًا شديدًا؛ لأن المسئولين عن صياغة القانون الخاص بانتخاب مجلس النواب، متعثرون تعثرًا شديدًا في صياغته، ما أحدث لدى الرأي العام بلبلة كبرى؛ لأن الناس – ومعها الحق - يتساءلون هل هذه خيبة تشريعية أو مناورة سياسية لتأجيل الانتخابات إلى ما لا نهاية؟!
الجريدة الرسمية