تسريب الامتحانات والغش بالمحمول!
عندما يعض كلب شخصا فهذا طبيعي، لكن عندما يعض شخص كلبا فهذا هو الخبر، ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن الخبر الذي يلفت نظرنا ويثير اهتمامنا هو أن الامتحانات مرت دون تسريب أو غش، لكن هذا لم يحدث وفي تقديري أنه لن يحدث طالما ما زلنا نصر على اختراع العجلة، وطالما نعالج الأمر بالتصريحات والبيانات، وكأن الطبيعي أن يحدث مع كل امتحان تسريب وغش!
حدث ذلك ويحدث منذ سنوات طويلة؛ نتيجة المعالجات الرخوة وغياب الحساب والتدقيق، وسيظل يحدث طالما كانت الرؤية التعليمية غائبة عن المشهد، وطالما ننظر إلى التعليم على أنه مجرد تلميذ وكتاب ومعلم ومدرسة ووزارة ووزير وحاشية منتفعين، وفوق ذلك مليارات من الجنيهات.. الجانب الأكبر منها رواتب للمعلمين الذي لا يعلمون، والجانب اليسير منها للعملية التعليمية بكل جوانبها المختلفة.. مليارات من الجنيهات تصب في بحر الظلمات؛ حيث لا عائد ولا طائل من ورائها، والدليل على ذلك مستوى الخريجين في مراحل التعليم المختلفة، وما نسمعه من أصحاب الأعمال عن هذا المستوى المتدني.
عندما يتكرر الغش كل عام منذ سنوات في امتحانات الشهادات، وعندما نمارس رد الفعل كل عام بذات الطريقة، وعندما نغط في نوم عميق بعد كل امتحانات حتى تأتي الامتحانات التالية، وعندما نستقبل كل وزير للتعليم ولا نسمع منه غير تصريحات مقولبة رددها من قبله عشرات وزراء التعليم، وعندما لا نسمع من وزير رؤية للتعليم يتم تطبيقها في السنوات القادمة، وعندما تصبح المدارس أماكن طرد لا أماكن جذب للتلاميذ والطلبة، وعندما يتحول المعلم إلى تاجر شنطة يطرق البيوت للدروس الخصوصية ولا يقدم تعليما في الفصل الدراسي، وعندما تكون رؤيتنا لمشاكل التعليم محصورة في الكادر التعليمي الذي يرتبط بالأجر دون مستوى الجودة والتدريب، عندما يظل كل هذا قائما وغيره الكثير فإننا بالتأكيد نسير في الطريق الخطأ، وإننا لا نريد أن نملك أدوات عصر التقدم.
التعليم قاطرة التنمية والتقدم، وأساس بناء الإنسان السليم فكريا وعقليا، ولأننا نميل كما قلت لاختراع العجلة فإننا نبحث عن الحلول الغريبة والعجيبة، ومثال ذلك مواجهة ظاهرة الغش بالمحمول؛ حيث اجتهد وزير التعليم وصرح أنه بصدد شراء أجهزة تشويش لمنع الغش بالمحمول، وصرح بأن هناك بوابات إلكترونية لكشف المحمول مع الطلبة، والوزير يعلم أن موظفي الوزارة أو المسئولين عن اللجان ما شاء الله (العدد في الليمون) وكان يمكن ببساطة تفتيش الطلبة بعد التوضيح بعدم السماح للطلبة بحيازة المحمول أثناء الامتحان، ومن يضبط يكون جزاؤه الحرمان من الامتحان، بشرط أن يكون ذلك جديا (مش هزار أو مجرد تخويف)، عندها لن يجرؤ أحد على ذلك، ولو حدث وتم ضبط من سرب امتحان وتم عقابه سريعا بالفصل وليس بنقله إلى إدارة أخرى يمارس فيها الفساد، لتوقف من يسرب الامتحانات إلى الأبد، لكننا للأسف في بلد لا يفصل فيه موظف ولا يعاقب فيه فاسد بسهولة.
إذا أردنا أن نواجه بجد فإننا نستطيع، ولله الأمر من قبل ومن بعد..