رئيس التحرير
عصام كامل

رئيس المركزي للمحاسبات: مسئولون «على راسهم بطحة» يتم ترشيحهم لمناصب قيادية (2 – 2)


  • >> الكبار استبعدوا ابنتى من التعيين بسبب قضية الحزام الأخضر
  • >> شركة بترول خاصة لتعيين أبناء الكبار في مصر
  • >> تجاهل تقارير الجهاز إهدار للمال العام في أبشع صوره
  • >> لا أعرف سر حفظ التحقيق في "الحزام الأخضر" ومسئولون كبار متورطون في القضية
  • >> الكهرباء والبترول والاتصالات والقضاء ترفض تطبيق الأقصى للأجور
  • >> السيسي عارف كـــل حاجة عن الفساد
  • >> مخالفات «الحزام الأخضر» تخطت الـ26 مليار جنيه
  • >> الصناديق الخاصة الباب الخلفي لتفشي الفساد في الجهاز الإداري
  • >> تقلدت منصبي في غفلة من الزمن ولست حريصا على الكرسي
  • >> ليس لي علاقة بالمعزول وترأست الجهاز لسمعتي الطيبة


يبدو المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، كمن يحارب طواحين الفساد في مصر وحيدًا، كلما اقترب من مربع الإحباط واليأس، كلما أصبح أكثر قوة وعزيمة وصلابة وإصرارا، تصدمك صراحته المتناهية، هو حالم بالقضاء على تلك الظاهرة التي تستشرى في مصر، وحالم أيضًا بتحقيق العدالة الاجتماعية، يتلقى صعقات المؤسسات التي «على راسها ريشة» كلما كشف تهربها من تطبيق الحد الأقصى للأجور، بصدر مفتوح.

المستشار هشام جنينة، رئيس أكبر جهاز رقابي في مصر، وهو أيضًا المسئول الوحيد الباقي في منصبه بقرار من الرئيس المعزول محمد مرسي، بين الحين والآخر يتهمه البعض بـ«الأخونة»، لكنه يواجهها بابتسامة الواثق في نفسه، ويقول «هل الرئيس السيسي إخوانى؟».
رئيس «المركزى للمحاسبات» دخل في صدام مع أجهزة سيادية في الدولة من أجل إجبارهم على الخضوع لرقابة الجهاز الذي يرأسه، لديه الشجاعة لأن يقول: «مفيش حاجة اسمها أجهزة سيادية»، وأن الرقابة على أوجه الإنفاق والميزانيات يجب أن تطال الجميع»، ويؤكد أن المسكوت عنه في مصر كتير.


«جنينة» واحد من العصاميين، لم يلجأ إلى تعيين زوجته في وظيفة حكومية أو منصب كبير، لأن ذلك ببساطة يعنى تقديم تنازلات من منصبه، وكما يقول هو «كان من السهل أن أرضخ لمنظومة الفساد المستشرية في البلد، وأحصل على كل ما أريد من امتيازات، ولا أواجه التيار والعاصفة وحيدًا، إلى أن تنتهى فترتى في الجهاز، لكنى أخاف الله».

الرجل ما زال متمسكا بأهداب الأمل، ويرى أن أحد أدوات مواجهة الفساد الذي أصبح متجذرًا في المؤسسات وفى سلوكيات الأفراد هو تدريس هذه المواجهة في المناهج الدراسية لتصبح جزءًا من السلوكيات.

جنينة لا يخجل من القول إنه كان من الممكن أن يكون في السجن الآن لولا أن منصبه محصن بحكم القانون، عندما حل ضيفًا على صالون «فيتو» في حوار استمر ساعتين كان الكلام المحظور على النشر –بناءً على طلبه- كثير، والكلام المباح أيضًا صادم ومثير، فهو عالم ببواطن ومواطن الفساد في كل مؤسسات مصر، وكلما حاول كشف قضية فساد كبرى كأرض الحزام الأخضر بمدينة أكتوبر والتي خسرت الدولة بسببها 26 مليار جنيه، تعود الأمور إلى نقطة الصفر، وعندما طالبناه بحمل الملفات والذهاب بها إلى الرئيس السيسي شخصيا، قال «الرئيس مطلع على كل صغيرة وكبيرة»، المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات من مواليد محافظة المنصورة، وكان زميلًا لوزير الداخلية محمد إبراهيم في كلية الشرطة، وكانت تربطهما صلة الزمالة، زوجته خريجة كلية التجارة جامعة عين شمس، واهتمت بتربية أبنائها ورفضت العمل برغبة منها.
لديه 3 بنات إحداهن خريجة كلية الحقوق جامعة عين شمس وحاصلة على تقدير عام جيد جدًا ومن أوائل الكلية، وتم استبعادها من التعيين في النيابة الإدارية، والثانية خريجة كلية فنون تطبيقية، والثالثة خريجة كلية الإعلام وإلى تفاصيل الجزء الثانى والأخير من الحوار المثير:


> ما أسباب تفشى الفساد في الجهاز الإدارى للدولة؟ وهل يرجع لفساد التشريعات أم ضعف الأجهزة الرقابية وولائها للسلطة؟
أسباب انتشار الفساد تأتي من ضعف الأجهزة الرقابية وموطن الداء والفساد ولاء تلك الأجهزة للسلطة على حساب الشعب، وللأسف تلك الأجهزة احترامها للقانون غائب وحق الشعب يأتى في مرتبة تالية للسلطة.
ومن الأخطاء التي كانت تقع فيها الأجهزة الأمنية ترشيح مسئولين لمناصب قيادية في الدولة لهم ملفات في الجهات الرقابية «وعلى راسهم بطحة» وأنا تقلدت منصبى في غفلة من الزمن، ولن يرتاح البعض إلا بعد تركي رئاسة الجهاز.

> هل تتوقع أن يتم التجديد لك في رئاسة الجهاز؟
لست حريصا على البقاء على الكرسى لكننى حريص على ثقة الشعب، ولم أكن في يوم من الأيام حريصًا على جماعة الإخوان، وليس لى علاقة بالرئيس المعزول أو أي من قيادات الجماعة وترشحت لرئاسة الجهاز بسبب سمعتى الطيبة ولا أعرف متى وكيف سأترك الجهاز وفى كل يوم أخرج من منزلى وأنا أتوقع إمكانية تركى منصبى ومهيؤ نفسيا لحدوث ذلك الأمر.

> متى تصبح تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات متاحة لوسائل الإعلام؟
لا قيمة لتقارير الجهاز إذا لم يتم تفعيل مضمونها ومحتواها، ودون ذلك تصبح حبرًا على ورق ومال مهدر لأن ميزانية الجهاز مليار جنيه من أموال الدولة، وهناك 12 ألف فنى وإدارى تابعين للجهاز يقومون بأداء دورهم في الرقابة على مؤسسات الدولة، وحينما لا يؤخذ بتقاريرهم يكون ذلك إهدارًا للمال العام في أبشع صوره، أما عن فكرة إتاحة التقارير لأى مواطن يحصل عليها فلدى عليها تحفظ والأهم أن يتم تفعيل تقارير الجهاز، فحينما يفتح الجهاز قضية الحزام الخضر ولا تقوم أي جهة بالتحقيق فيها، فهذا أمر في غاية الخطورة، وكان لدى خياران في تلك القضية، فإما أن أقوم بواجبى، وأفضح الفساد أو أن أختار الطريق الثانى ويكون مرضيا علي من مسئولى الدولة بالشكل الذي لا يجعلهم يستبعدون ابنتى من التعيين، وملف الحزام الأخضر كان من الملفات المسكوت عنها، رغم ما فيه من مخالفات بما يزيد على 26 مليار دولار، حيث عكفت لجنة من الجهاز على حصر التجاوزات إلا أننا فوجئنا بتعليمات بوقف عمل اللجنة، وفوجئنا أيضًا بأن بعض الشركات في هذه القضية لا تخضع لرقابة الجهاز ومنها شركة «وادى النيل» وهى شركة تابعة للمخابرات العامة، وشركة 6 أكتوبر والتابعة لسمير زكى ورئيس الجمعية اللواء مجدى بركات، فقبل اكتمال فحص 295 ملفًا صدر قرار النائب العام بإيقاف عمل اللجنة قبل اكتمال عملها ثم صدر قرار آخر بحفظ البلاغ، ولم نعرف أسباب الحفظ في هذه القضية.

> ماذا لو اكتشف الجهاز مخالفات في مؤسسة الرئاسة في العام الأول للسيسي؟ وهل يتم الإعلان عنها؟
طبعا سيتم الإعلان عنها، وجميع الأجهزة تكتب تقارير عنى وقابلت من قبل الرئيس السابق عدلي منصور، وأوضحت له أن هذه الحملة الشرسة ضدى ورفع تقارير لتشويهى يستفيد منها المتورطون في قضية الحزام الأخضر، وفيهم مسئولون كبار في الدولة، فلا أنتظر من هؤلاء أن يكتبوا تقارير تؤكد قيامى بدوري.

> هل ما زالت هناك ملفات مسكوت عنها؟
بالفعل هناك العديد من الملفات التي لم يتم الاقتراب منها حتى الآن بدعوى الظروف السياسية الصعبة التي نمر بها وتربص الداخل والخارج بالدولة المصرية.

> هل أخبرت الرئيس السيسي بأهم مشاكلك مع الجهات الإدارية بالدولة؟
الرئيس السيسي على علم بتفاصيل كثيرة جدًا، وكل تقارير الجهاز ترفع إليه وإلى مجلس الوزراء، وينتهى دورنا في الجهاز برفع التقارير والرئيس والحكومة هما المسئولان عن تحديد توقيت التحقيق في التقرير، وفيما يتعلق باختيار الوزراء والمناصب القيادية فإن الجهاز مثله مثل غيره من الأجهزة الرقابية يرفع تقاريره وقد يؤخذ بها أو لا يؤخذ.

> هناك فساد من نوع آخر في الجهاز الإداري للدولة فيما يخص التعيينات.. كيف يمكن مواجهته؟
في الدول المتحضرة يتم الاعتماد على المؤهلات والكفاءة العلمية والقدرة على تقلد المناصب في أي موقع عن اختيار المعينين، والكل يتسابق للحصول على الوظيفة من خلال اجتيازة الاختبارات الموضوعة، ولذلك نحن نحتاج إلى تغيير ثقافة المجتمع لتكون الكفاءة هي المعيار وذلك التغيير لن يتم بين ليلة وضحاها، ولكنه يتطلب جهدًا من وسائل الإعلام التي يجب أن تنظر للقضايا المهمة لا أن تتفرغ لإذاعة التسريبات.

> وكيف يتم التعامل مع الصناديق الخاصة التي تعد الباب الخلفي للفساد؟
الصناديق الخاصة الباب الخلفى لتفشى الفساد في الجهاز الإدارى في الدولة، وتم إرسال مذكرة لجميع رؤساء الوزراء، منذ أن توليت رئاسة الجهاز وآخرهم المهندس إبراهيم محلب الذي طلب منى إعداد مذكرة عن تلك الصناديق التي نشأت بعد هزيمة 67 وكان الهدف منها إعادة بناء القوات المسلحة لكن المحليات بدأت تشكو وتقول «مفيش فلوس» فاقترح البعض فكرة فرض رسوم وتم من خلالها إنشاء الصناديق الخاصة وبدأت تتزايد وتم التوسع فيها.

وحتى الآن لا يوجد حصر دقيق للصناديق، وحجم الأموال المودعة فيها ومصادر تمويلها وأوجه إنفاقها على مستوى الدولة واقترحت على المهندس إبراهيم محلب أن يصدر قانونًا يلزم كل الجهات الإدارية بالدولة ولا يستثنى منها أحدًا بتقديم بيان موثق عن عدد الصناديق وحجم الأموال المودعة فيها ومصادر تمويلها، ومن يخالف ذلك ويخفي شيئًا خاصًا عن الصناديق يحاكم تأديبيا ويعاقب بالفصل من منصبه.

> بعض الجهات حصلت على أحكام قضائية لعدم تطبيق الحد الأقصى للأجور.. هل ستطبق تلك الأحكام؟
بالفعل بعض الجهات لجأت إلى تلك الحيلة لاستثنائها من تطبيق قانون الحد الأقصى للأجور ومنها البنوك وأخطر شيء إساءة استخدام القانون والقفز عليه.

> أهم المعوقات التي تعرقل الجهاز في إرسال تطبيق الحد الأقصى للأجور؟
هناك بعض الجهات الإدارية ترفض تطبيق الحد الأقصى للأجور وإعطاء الجهاز بيانات كالقضاء وبعض شركات البترول والكهرباء والاتصالات والبعض يحاول التلاعب في البيانات وبعض المستشارين المنتدبين في الجهات الإدارية بالدولة لا يرغبون في تطبيق القانون ويتهربون منه.

> أعلى راتب لمسئول في التقرير الأول للحد الأقصى للأجور؟
أعلى راتب كان من نصيب مدير أمن حصل عليه من صندوق غرامات بقيمة مليون جنيه.

> وما دور الجهاز في الرقابة على الأحزاب السياسية؟
الجهاز المركزى له دور فعال في الرقابة على الأحزاب لكن الأمور متوقفة حتى الآن نتيجة توقف النشاط الحزبي وعندما تنشط الأحزاب ويتم تشكيل البرلمان ستخضع للرقابة المالية، وليس لنا صلة بأى توجه للحزب وفكرة ضبط التمويل يقوم بها البنك المركزى والمخابرات العامة بتتبع الأموال العابرة، ودور الجهاز يأتى من حصر الإنفاق المالي.

> وماذا عن تأثير الفساد في الاستثمار والتصنيف الدولي لمؤسسات التمويل المصرية؟
التصنيف الدولى لمصر 94 وهذا شيء يحسب للقيادة السياسية وفكرة الإعلان عن قضايا فساد يعزز الشفافية الدولية وإعلان قضايا المال العام يعزز فرص مصر في الشفافية الدولية، ويؤدى إلى تحسن ترتيب مصر في مؤشرات الشفافية الدولية، والرئيس السيسي يتمتع بمصداقية كبيرة في هذا الملف، ولمست من الرئيس استجابة كبيرة من تقارير تم تقديمها له منها موضوع ندب المستشارين وإلغاء الدعم لغير مستحقيه.

> وماذا عن كثرة شركات البترول والتي لا جدوى لوجود أغلبها؟
هناك ملفات شائكة يناقشها الجهاز منها تعدد شركات البترول والتي تجاوزت الـ250 شركة تعمل دون جدوى بالرغم من أن المملكة السعودية ليس بها إلا شركة واحدة هي شركة أرامكو، وهى من أكبر الدول المصدرة للبترول، واكتشفنا مثلا أن هناك شركة منذ إنشائها لا تقوم بأى أعمال ويقتصر دورها على تعيين أبناء كبار رجال الدولة فيها، وهى شركة تنقيب واستخراج لكنها «سبوبة تعيين» وتمثل عبئا على الموازنة العامة وتكلف الدولة ملايين الجنيهات مع أنها لا تقدم أي عائد وكل العاملين لا عمل لهم وفي مصر لا يوجد إمكانية للتنقيب ولا الاستخراج أصلا.
الجريدة الرسمية