رئيس التحرير
عصام كامل

الشعب المصري.. وأربعة عقود من الحصاد المر !


منذ أربعة عقود والشعب المصرى ينتظر موسم الحصاد بعد أن أوهمه السادات في أعقاب حرب أكتوبر 1973 أنهم سيحصدون الخير كله وسيتحولون لشعب من الأغنياء، عن طريق إعلانه سياسة الانفتاح الاقتصادى التي وصفها الكاتب الصحفى أحمد بهاء الدين في حينه بأنه انفتاح السداح مداح وهو ما أغضب السادات.


لكن مرت الأيام وثبت أن مصطلح أحمد بهاء الدين كان مهذبا، فمن خلال هذه السياسة ظهرت في عهده وبعد سنوات معدودة القطط السمان وهم مجموعة من سارقى وناهبى قوت الشعب، وقبل مرور أربعة أعوام على الإعلان عن سياسته الميمونة كان شبح الفقر قد عاد مجدد ليخيم على قطاعات واسعة من المصريين التي أعادت لهم ثورة يوليو1952 كرامتهم المهدرة وثرواتهم المنهوبة، وتحت وطأة الفقر والقهر خرجوا في يناير 1977 منتفضين في وجهه هو وقططه السمان ولم تتمكن قبضته الأمنية من السيطرة على الفقراء والكادحين من شعب مصر الذين أطلقوا على انتفاضتهم انتفاضة الخبز، ووصفها السادات ورجال أمنه وقططه السمان سارقى وناهبي قوت الشعب بانتفاضة الحرامية، وكانت هذه هي أولى بوادر الحصاد المر للشعب المصرى جراء ارتماء السادات في أحضان الأمريكان والتفريط في المشروع التنموى المستقل المعتمد على الذات، وإعلان تطبيق سياسات رأسمالية تابعة.

وغادر السادات في مشهد دراماتيكى مأساوى لا يمكن أن ينساه شعب مصر وعلى أيدى مجموعة من الإرهابيين الذين تحالف معهم منقلبا على المشروع الوطنى فيما عرف بانقلاب مايو 1971 وأطلق عليه هو مسمي ثورة التصحيح، ثم أخرج الجماعة الإرهابية من السجون وأطلقهم لينالوا وينتقموا من خصومه السياسيين من الناصريين والماركسيين، لكنه لم يدرك أنه قد قام بتربية الذئب في بيته فقام بعد أن أنهى المهمة المطلوبة منه بأكل صاحبه الذي منحه الأمان.

وانتهت المرحلة وجاءت مرحلة جديدة قام في بدايتها مبارك بطمأنة الشعب المصرى بأنه سيعيد لهم كل ما فقدوه في المرحلة السابقة، لكنه كان واهمًا حيث كان رجل محدود الذكاء والقدرات عديم المعرفة كافرا بالعلم، لذلك ظل أسير نفس السياسات الاقتصادية الرأسمالية التابعة التي انتهجها السادات وأفقرت الغالبية العظمى من شعب مصر، وفضل السير في أحضان الأمريكان والصهاينة الذين منحوه حمايتهم، وأمدوه بالآلة الإعلامية الجبارة التي تمكن من خلالها من تزييف وعلى الفقراء والكادحين من شعب مصر، وتجريف عقلهم الجمعى حيث أوهمهم بأنه يعمل على تحقيق مصالحهم وكانت كلمته الشهيرة ولسنوات طويلة في كل خطاباته أن سياساته داعمة للفقراء ومحدودى الدخل وأن حصاد ما أطلق عليه الإصلاح الاقتصادى سيجنى هؤلاء ثماره قريبا.

واستمر الشعب المصرى صابرا لسنوات طويلة كانت كل يوم تزداد فيها أعداد الفقراء ويزداد معها مخزون الغضب، خاصة وأن القطط السمان تم استبدالها بالأفيال ثقيلة الوزن التي التهمت في بطونها كل ثروات الوطن عن طريق السرقة والنهب المنظم والمقنن بعد أن قاموا باغتصاب السلطة فيما عرف بتزاوج رأس المال والسلطة – زواج غير شرعى قطعًا – وخرج أخيرًا الشعب المصرى منتفضا ضد مبارك وأفياله الثقيلة سارقة وناهبة الثروة والسلطة في يناير 2011 وأطاحوا به وعصابته من سدة الحكم وألقوا بهم في غياهب السجون في مشهد لم يتوقعه مخلوق وسيظل عالقا في الأذهان وسيسجله التاريخ.

وكانت هذه هي البادرة الثانية للحصاد المر للشعب المصرى بفضل السياسات الاقتصادية الرأسمالية التابعة لمبارك والمطبقة لروشتة صندوق النقد والبنك الدوليين.

وجاء الإخوان المسلمون برجلهم الغبي معدوم الذكاء والقدرات وعديم الشخصية الذي تربي على السمع والطاعة محمد مرسي، واستمر نفس المشهد الموروث من السادات ومبارك حيث التبعية الاقتصادية الرأسمالية للمشروع الأمريكى الصهيونى، وحاول إخوان الإرهاب أن يحل أفيالهم محل أفيال مبارك السارقة والناهبة لقوت الشعب لكن الفقراء والكادحين لم يتحملوا هذا الصراع الذي كانت نتيجته مزيد من الضغوط الاقتصادية عليهم، فخرجوا منتفضين ضدهم في يونيو 2013 في أسرع خروج لشعب ضد حاكمه في التاريخ، وقاموا بالإطاحة به وعصابته ووضعهم داخل السجون في مشهد دراماتيكى رهيب، وكانت ذلك هي البادرة الثالثة للحصاد المر للشعب المصرى.

وجاء الرئيس السيسي بإرادة الفقراء والكادحين أملا في حصاد حلو بعد كل هذا الحصاد المر، ومر العام الأول على حكمه وتحمل معه الشعب المصرى صعوبات المرحلة لكنهم حتى اللحظة لا تظهر في الأفاق أي بوادر أمل خاصة وأن أفيال مبارك الثقيلة قد عادت بقوة لممارسة المزيد من السرقة والنهب لثروات الوطن، ولم يتمكن الرجل حتى الآن من مواجهتهم، لكنه يوجه لهم عبر خطاباته المتكررة تحذيرات من ضرورة إيقاف الفساد، لكن بالطبع هذه التحذيرات لا تلقى أي آذان صاغية، في إطار استمرار نفس السياسات الاقتصادية الرأسمالية التابعة التي تجنى ثمارها الأفيال الثقيلة محدودة العدد، ويجمع حصادها المر الغالبية العظمى من شعب مصر والذي لم يحصد من الرجل غير كلماته المعسولة غير الكافية.

لذلك يجب على الرجل التحرك قبل فوات الأوان ليبدأ في تطبيق مجموعة من الإجراءات الحاسمة على مستويين، الأول مواجهة رموز فساد نظام مبارك والإطاحة بهم من مواقعهم المؤثرة داخل البنية المؤسسية للدولة خاصة الاقتصادية والسياسية المتحكمة في صناعة القرار، والثانى تطبيق سياسات اقتصادية ومشروعات إنتاجية وتنموية مستقلة معتمدة على الذات يوزع عائدها بشكل عادل على جموع الشعب من الفقراء والكادحين، ومن هنا فقط يمكن للشعب المصرى أن يجمع حصادا غير الحصاد المر، وإن لم يحدث ذلك فانتفاضته القادمة آتية لا محالة، اللهم بلغت اللهم فاشهد.
الجريدة الرسمية