رئيس التحرير
عصام كامل

إحنا أحسن من اليمن وسوريا والعراق!


في دولة مثل مصر اعتاد الشعب أن يعقد آماله على رئيس الجمهورية، ينتظر منه الناس أن ينقلهم من حياة الموت إلى الآدمية، ليس مهمًا شكل النظام السياسي، برلمانيا كان أو رئاسيا، فهو المسئول الأول أمام الشعب، قد يكون من الخطأ الاعتماد عليه كلية، فهناك حكومة وبرلمان وجهات سيادية وأخرى رقابية، لكن كلها في عرف المصريين تنزوي أمام الرئيس.


لم يذنب الشعب عندما أراد من الرئيس السيسي أن يبدل سيئات أسلافه حسنات، وهو الذي ظهر على المشهد السياسي فارسا مغوارا، ولا يمكن لوم المصريين على لهفتهم في الانتقال إلى حياة أفضل، وهم الذين ذاقوا من المرار ما طفح وفاض، فما بالك والسيسي نفسه كثيرًا ما تحدث عن حق المصريين في "عيشة هنية"، متبنيا مطالب ثورتي 25 يناير و30 يونيو، وفي المقابل ليس من الإنصاف مطالبة الرجل بمحو سوءات الماضي بين ليلة وضحاها.

خلال عامه الأول رئيسا، لمس الجميع أن السيسي يبذل كل ما بوسعه، رحلات مكوكية عابرة للقارات نحو ما يراه في صالح الوطن، علاقات طيبة مع الجميع إلا أعداء الوطن، متابعات مستمرة لآخر المستجدات في المشروعات القومية، في فترة وجيزة فرض شخصيته القوية على العالم، أصدر من القوانين والقرارات المئات، تعامل مع بعضها بمشرط الجراح، وفي أخرى وجد البتر أسلوبًا للعلاج، وليس رفع الدعم عن البنزين والسولار ببعيد، الذي تحمله المصريون؛ أملا في انعكاس المليارات المتوفرة في صورة خدمات حقيقية، فلا تتذكر ذاكرة الخمسين عامًا الأخيرة معاناة تفوق تداعيات هذا القرار اللهم إلا نكسة 67، ومع ذلك لم يطرأ جديد، غير المزيد من إرهاق جيوب المواطنين الخاوية، حتى المؤتمر الاقتصادي الذي بنت عليه الحكومة للمصريين أبراجًا من الأمل، كأنه لم يعقد، على أرض الواقع مثلما جاء مستثمرو العالم إلى شرم الشيخ ذهبوا، تمخضت عنه اتفاقات وبروتوكولات منذ شهر مارس الماضي لم تر النور بعد، ليبقى الوضع على ما هو عليه، ولا يشعر المواطنون بجهود الرئيس.. فمنذ متى والحرث في الماء يفيد الأرض؟!

لن أقول لك يا سيادة الرئيس – وإن كان يحق لي – ترجل كما كان يفعل الفاروق عمر بن الخطاب بين الرعية، فقط انظر حولك - عذرا ليس على التقارير التنويمية - ستجد ما لذ وطاب على مائدة الفساد.. كيف لك أن تنتظر من بيئة فاسدة ثمار جهدك؟!.. وإن كان فستكون معطوبة لا شك، وعلى أي أساس تتوقع أن يهرول المستثمرون الأجانب بأموالهم إلى "أم الدنيا"، وأبناؤها تفضحهم التقارير الدولية، ففي آخر تقرير عن جهود مكافحة الفساد التي ترصدها منظمة الشفافية الدولية، احتلت مصر المركز 94 عالميا، متقهقرة بمسافات بعيدة خلف عدد من أشقائنا الأصغر سنًا، فالإمارات تبوأت المرتبة الأولى عربيا والمركز 25 عالميا، وتلتها قطر على المستويين، وتقاسم المركز الثالث عربيا كل من البحرين والأردن والمملكة العربية السعودية، واشتركوا جميعا في المركز 55 عالميا، ثم سلطنة عمان والكويت في المركزين الرابع والخامس عربيا والـ 64 و67 عالميا، وسبقتنا كذلك تونس والمغرب، لكن للأمانة تفوقنا على الجزائر وسوريا واليمن وليبيا والعراق والسودان ثم الصومال التي قبعت في المركز قبل الأخير عالميًا!

الكارثة أن صور الفساد لم تعد منبوذة أو قبيحة، وإنما يشار لها بالمدح، فمنذ أيام معدودة زفت الصحف والمواقع الإلكترونية المختلفة خبر تكليف اللواء عادل لبيب، وزير التنمية المحلية، للمحافظين بالمرور أسبوعيًا على القرى الـ 78 التي يجرى تحويلها إلى قرى نموذجية؛ لرصد ما تم تنفيذه من مشروعات وأعمال التطوير، فمثل هذا الخبر يفجر عشرات الأسئلة الخبيثة من عينة، هل باقي القرى من فئة "البطة السوداء" وأقل من أن يمر عليها المحافظ ويرصد احتياجاتها؟، أو أن القرى الـ 78 على "رأسها ريشة"؟، وهل المحافظ في الأساس ينتظر توجيها من الوزير من أجل ممارسة مهامه كما تعودنا قبل ثورة 25 يناير؟

أتفق معك سيدي القارئ إن كنت ستبادرني "ليس ذنب الرئيس، فمصر سقطت في بحر الفساد منذ أمد بعيد".. صحيح المنصب مخيف، أعباؤه تنوء بها الجبال، لكن من يتقدم له عليه أن يعي جيدًا ما ينتظر منه، وأن يكون له في رسول الله وخلفائه الراشدين ورئيس البرازيل السابق "دا سيلفا" أسوة، وإلا فلينسحب كما فعل معاوية بن يزيد – حفيد الصحابي معاوية بن أبي سفيان – عندما آل إليه الحكم بنظام الوراثة الذي أرساه جده، اذ أبصر بعقله الأكبر بكثير من سنواته الـ 21، أنه غير مؤهل لإدارة شئون الدولة الإسلامية، فلم يستجب لغرور الشباب وجاذبية كرسي العرش، وتنازل طواعية عن الحكم لمن يختاره الشعب، وهذا ما لم يفعله المخلوع أو المعزول، ونتمنى ألا يكون خيارا للسيسي؛ شريطة أن يقتحم معاقل الفساد.
الجريدة الرسمية