كان فُجرا ليس إلا!!
في السنة الأولى لتمهيدي الماجستير بمعهد الدراسات الإسلامية عام 2004، وقف طالب ملتح في محاضرة الدكتور أحمد عمر هاشم، وذكر حديثا نبويا يقول إنه إذا صافح المسلم امرأة لا تحل له، فإن السماء تفور، وتمور، وتنادي الملائكة في الأرض أن فلانا صافح أجنبية، فتعد له السلاسل والجنازير تحت الأرض انتظارًا لوفاته.
رفض علامة الحديث الدكتور هاشم الحديث، وقال: لم أسمع به، وبعد جدل، انفعل الدكتور هاشم، وكاد عيار الطالب أن يفلت، ثم سمعناه يطعن بعد المحاضرة في الدكتور هاشم، وفي علمه؛ لأنه لم يكن وقتها قد أطلق "اللحية" بعد!
لدى الطالب أن ربنا "عرفوه بالذقن"، وأن للعلم رجالا، لا يلبسون إلا "أبيض في أبيض"، يقصرون في الثياب، وينتعلون "الخف"، ولا يميلون إلى البلوفرات، و"النظارات" الطبية.
كانت الواقعة إشارة ملموسة إلى ذروة عصر "التجارة بالرسول"، وبأقوال الرسول، حسب الهوى، وعلى الكيف؛ حيث الحكم على الرجال، بالظاهر، واختبار السرائر بالمظاهر، وتصور العلم، لدى من ليس له علم، والافتئات على العلماء، بتشجيع من مشايخ الطرق، والطرقات، وأئمة المساجد، وأباطرة الزوايا.. وفضائيات الطب النبوي، والعلاج ببول الرسول!
تسلط تجار الدين بالحديث، أو ما شهر أنه حديث، كان امتدادا لعصور "الملمات" التي طالتنا، وأتت بالذي يزيد الغمة، ويوسع الملمة.. طمعا في خلق الله.. لا في الله.
يحكي السيوطي، أن الخليفة معاوية أرسل من وضع السم لحفيد رسول الله الحسن بن علي (رضى الله عنه) في عسل يشربه، فمات مسموما، ولما بلغه خبر الوفاة، تداول في قصره حديثا يقول: "إن لله جنودًا في العسل".
وقيل إنه حكى الحديث نفسه بعد أن وضع أتباعه سما في شراب لقائد جيوش علي (رضى الله عنه) الأشتر النخعي، فمات به!
استغل الأمويون السنة في تقوية نفوذهم.. أوهموا أهل الله، بما قالوا إنها سنة رسول الله.. لما جاء العباسيون، طعنوا في الأمويين، وفي الحديث الذي ابتكره الأمويون، قبل أن يتولى الفاطميون، فينكروا الاثنين "أمويين، وعباسيين"، للدرجة التي أنكروا فيها رسول الله نفسه؛ حفاظا على "دين الله"!
فقد دعا الفاطميون إلى "ألوهية" علي (رضى الله عنه)، ثم قالوا إن النبوة نزلت مرة أخرى على وزير الحاكم بأمر الله "الحمزة بن علي الزوزني".
لم يكن إسلاما ولا يحزنون.. يبدو أن في الكرسي شيئا، وفي المنصب غرضا، لذلك غالبا ما تطغى الدنيا على الآخرة، لدى أمراء السياسة، وفقهاء الأحزاب.
في الفرق بين الفرق للبغدادي، ادعى "مشايخ الفاطمية" ألوهية الحاكم بأمر الله، وقالوا أحاديث نبوية في هذا.. طريف أن يدللوا على الألوهية بأحاديث "نبوية".. لكن هذا الذي حدث.. ثم قال حمزة الزوزني إنه خاتم الأنبياء، وإن دينه نسخ ما قبله من شرائع، حتى شريعة محمد.
وفي كتابه "أسرار الدعوة الفاطمية" يقول محمد عنان إن الفاطميين أشاعوا أن "روح الحاكم بأمر الله تتناسخ"، أي أن الحاكم لا يموت، وإن مات تظل روحه باقية، وتدخل في جسد الخلفاء الفاطميين من بعده!
المعنى، أن حكم الفاطميين ممتد، وأنه إذا مات خليفة، فإنه لم يمت، ولو حدث، فعلى الأقل حكمه ووزراؤه، ونفوذ أبنائه، وأحزابه، وأحزاب أحزابه تبقى حية.
وفي تاريخ الأنطاكي، ومخطوط الذهبي، أصدر الحاكم بأمره قرارات بصفته الإلهية، واعتبر الخروج عليها خروجا على الدين.. فأبطل مثلا ذبح الأضاحي في العيد، ثم أبطل صلاة العيد نفسها، ومنع صلاة الجمعة في الأزهر مدة.
وقتها، تداول الفاطميون أحاديث في أفضال "الحاكم".. وبحثوا في أسانيد الرجال الذين رووا الحديث عن حمزة الزوزني.
كان "فُجرا" (بضم الفاء).. ليس إلا!
Twitter: @wtoughan
wtoughan@hotmail.com
wtoughan@hotmail.com