رئيس التحرير
عصام كامل

سباق بين الفوضى والحل العسكرى


مازال المشهد المصرى يحتل أعلى الهرم فى وقائع الشرق الأوسط، ويستأثر باهتمام غير مسبوق من أطراف عديدة خارج العالم العربى وداخله، تخشى أن تنزلق الثورة المصرية نحو الحرب الأهلية أو الفوضى العارمة أو الحل العسكري، وتتعزز المخاوف من الانهيار المصرى الكبير إذا ما تأملنا بدقة روافد أزمة الحكم المصرية والوسائل القاصرة عن التصدى لها بنجاح .


تتفاعل أزمة الحكم وسط مشكلات اقتصادية مستعصية لا تتيح للدولة المصرية هامشًا واسعًا للمناورة، فالحكومة فشلت فى الاقتراض الدولي، أما الاقتراض العربى فهو لا يكفى لحل المشكلة، هذا إن لم يكن سبباً فى تعقيدها .

من جهة ثانية تكاد يد الحكومة تكون مغلولة فى فرض ضرائب جديدة على الفئات الشعبية، أو تحرير بعض المواد الأساسية من الدعم الرسمي، أما الضرائب على الطبقات العليا فهى تنطوى على خطر هروب جماعى للرساميل، وبالتالى زيادة الأزمة تعقيداً، والراجح أن الحكومة وجدت أخيراً منفذاً صغيراً لتوفير مداخيل جديدة عبر الاكتتاب بسندات الخزينة، الأمر الذى يحتاج إلى اختبار حماسة المكلفين، ومعرفة مدى استجابتهم لخطوة تتطلب ثقة كبيرة بالحكم وبالاقتصاد المصري، وهى غير متوافرة إذا ما نظرنا إلى عصيان الشارع وإصراره على رحيل الرئيس مرسى .

وفى المجال السياسي، يبدو أن القطيعة تتسع يوماً بعد يوم بين السلطة والمعارضة، إلى حد يمكن معه القول إنها الوصف الأقرب إلى الواقع، خصوصاً بعد سلسلة طويلة من الأخطاء التى ارتكبها الرئيس من جراء إصرار حزبه على الانفراد بالحكم، بدلاً من البحث عن تجميع عناصر القوة لدى تشكيلات المعارضة والمجتمع المدنى وتوظيفها فى إنقاذ مصر فى المرحلة الانتقالية من الفوضى بين نظام ولّى وآخر يحتاج إلى استقرار حتى يثبت أقدامه .

والواضح أن نجاح القمة الإسلامية فى مصر لم يكن كافياً لطى صفحة الإحباط الشديد، بسبب السياسة الخارجية المصرية المشوبة أحياناً بخدع الهواة، كما هى الحال فى ازدواجية الخطاب الرئاسى ضد “إسرائيل” علناً واسترضائها سراً عبر المبعوثين ورسائل التطمين، وأيضاً تجاه قطاع غزة، حيث ينتشر خطاب التأييد الرئاسى للمقاومة الفلسطينية، فى حين يتم على الأرض تدمير الأنفاق أو إغراقها بمياه المجارى الصحية، علماً أنها تزود قطاع غزة بوسائل صموده . أما القول بأن معبر رفح مفتوح على مصراعيه أمام البشر، والمواد التى يحتاج إليها القطاع فهو بالكاد يخفى تفاهماً مصرياً “إسرائيلياً” مفاده أن الطرفين يريدان التحكم بحركة المرور من غزة وإليها، ولا مصلحة لهما فى أن يتحكم أهالى القطاع فى نوع وحجم استيرادهم وتصديرهم وتسلحهم وتنقل مواطنيهم . والمذهل فى هذا الباب هو افتخار وزير الخارجية المصرى مؤخراً بافتتاح سفارة فى الصومال، معتبراً أن ذلك يشكل انتصاراً لبلاده بعد قطيعة مع الصومال امتدت لعشرين عاماً .

تبدو روافد الأزمة المذكورة وغيرها عصية على المعالجة بالوسائل التى تعتمدها الحكومة، ما يعنى أن الحل يحتاج إلى تدخل خارجى ليس بالضرورة عسكرياً بطبيعة الحال، وإنما عبر ضخ نصف دزينة من المليارات الأمريكية فى الخزينة المصرية، أو إلى تغيير أساسى فى طريقة حكم مصر وفى وسائل الحكم، وهذا يتطلب اعترافاً “إخوانياً” صريحاً بالأخطاء السابقة التى ارتكبت فى التعاطى مع المعارضة والبحث معها، ومع مكونات المجتمع المدنى عن صيغة حكم للمرحلة الانتقالية تنطوى على ائتلاف تاريخى لا يستبعد أحداً، ويعمل على إعادة إعمار الاقتصاد المصري، وإعادة بناء أجهزة الدولة الأمنية، وإعادة صياغة دستور جديد مناسب لكل المصريين وليس لفئة واحدة منهم، والابتعاد عن زج الجيش فى المجابهة مع الشارع بدعوى فساد رجال الشرطة، فالجيش هو الملاذ الأخير لمصر والمصريين إذا ما قرر ساستها فى السلطة والمعارضة استبعاد بعضهم بعضاً . . حتى الفوضى العارمة .

نقلاً عن الخليج الإماراتية

الجريدة الرسمية