الشباب في خطاب الرئيس
استمعت إلى خطاب الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر دافوس، الذي أقيم في الأردن منذ أيام قليلة، الذي كان أغلب حديثه في هذا الخطاب عن الشباب ودوره في المستقبل، وفي حقيقة الأمر أنني استغربت واندهشت كثيرًا من حديث الرئيس عن الشباب حيث قال بالنص "المستقبل ملك للشباب، ولن يرسم معالمه أحد سواهم من خلال طموحاته وقدراته، وإن تعزيز دور الشباب لم يعد من قبيل الترف، وإنما أضحى ضرورة لا غنى عنها، لا سيما في الدول والمجتمعات التي تضم نسبة كبيرة من الشباب، بكل ما يمثلونه من أمل في المستقبل وطاقة دافعة يتعين استثمارها وتوجيهها نحو الإطار الصحيح".
خُيِّل إلىَّ وأنا أستمع إلى هذا الحديث، أن رئيس الوزراء إبراهيم محلب، لا يتعدى سنه الأربعين عامًا، وأن وزراءه يتراوح أعمارهم ما بين الثلاثين والأربعين عاما، لذلك وقف الرئيس عبد الفتاح السيسي أمام العالم في مؤتمر دافوس البحر الميت لكي يتباهى ويتفاخر وينقل تجربته الخاصة التي أقامها في مصر، وكيف دفعت مصر بالشباب لتولي المناصب القيادية في الدولة على غرار الدول الأوربية، وغيرها التي لا يتعدى فيها سن رئيس الوزراء الأربعين عاما، بينما باقي الوزراء في العشرينيات والثلاثينيات من العمر.
عن أي شباب تتحدث يا سيادة الرئيس؟؟.. أكان حديثك عن الشباب المصري؟؟.. وإن كان حديثك عن الشباب المصري، فأي شباب تقصد؟؟.. هل تقصد الشباب المقتول أم المحبوس؟؟.. أم لعلك تقصد الشباب الذي أطلقت عليهم أجهزتك الأمنية والإعلام لتشويههم وتخوينهم ووصفهم بالعمالة لكل أجهزة المخابرات في العالم؛ لإسكات صوتهم؟؟.. وربما تقصد الشباب الذي أراد أن يتحول من العمل الاحتجاجي في الشارع ويتجه للعمل السياسي فجاءت الأوامر للتحالفات الانتخابية والأحزاب بعدم قبول هؤلاء العملاء عشان مش عايزين صداع في البرلمان؟؟!
للأسف سيادة الرئيس، فإن تصريحاتك وأحاديثك عن الشباب لا تتسق مع الواقع الذي نعيشه في مصر، فقد تم حرمانهم من تولي الوزارات والمناصب القيادية أسوة بالدول المتقدمة، وتفعيلًا لدورهم ومسيرتهم في الثورتين، وتم إسنادها إلى العواجيز ودولاب عمل نظام مبارك ولمحصلي الفواتير الانتخابية، التي أكدت في بداية حملتك الانتخابية على أنه "ليس لديك فواتير تدفعها لأحد"، فنجدها اليوم تدفع لمن لا يستحق، أما صاحب الفاتورة الأصلية - الشباب - الذي لم يطالب يوما بها، تم تقطيع فاتورته وتقطيعه هو شخصيًا، ما ساهم في تفشي الفساد أكثر من ذي قبل، وترهل وضعف المؤسسات أكثر من أيام مبارك نفسه.
أعلم يا سيادة الرئيس أنك ستقول "الشباب ليس لديه خبرة لتولي المناصب، وأن المرحلة لا تسمح"، إذًا لماذا تتحدث عنهم هكذا أمام العالم؟؟.. ومتى ستسمح المرحلة في رأيك؟؟.. عندما يصل الشباب إلى سن السبعين؟؟، غير ذلك فإني أشهد الله ثم أشهد الشعب وأشهدك، هل تصريحات السيد رئيس الوزراء والوزراء التي أفحموا بها الشعب مؤخرًا تنم عن أي خبرة سياسية إذا اعتبرنا أن منصب الوزير هو منصب سياسي بالأساس، كأي نظام سياسي في العالم؟؟.. ألم تسمع قول المحللين والسياسيين إنك تسير بسرعة الصاروخ وإن الحكومة تسير بالبسكلتة؟؟
ودعني أذكرك سيادة الرئيس عندما قمت بقراءة بنود خارطة الطريق في بيان 7/3 الشهير، كان فيه بند ينص على تمكين الشباب، لم يتم تنفيذه حتى الآن، بل دعني أذكر السيد إبراهيم محلب بوعوده في اجتماعاته معنا بضرورة تمكين الشباب، بل لا زلت أذكر النبرة الانفعالية والحماسية لرئيس الوزراء وتخبيطه بيده بانفعال شديد على طاولة الاجتمعات، موجهًا حديثه لنا "أنتوا لازم تتمكنوا، الحل هو تمكنكوا"، وذلك بعد توليه منصب رئاسة الوزراء مباشرة.
لقد أنكر الواقع كمن ينكر أنه لا يرى الشمس في وضح النهار، كل من أعتقد أنه يستطيع أن يقضي على طبقة الشباب المصري الذي ولد من رحم ثورة 30/25، فقد أصبح هؤلاء الشباب قيادات سياسية طبيعية لم تتوفر في تاريخ مصر من قبل، ومروا بتجارب وأحداث ثورية وسياسية أثقلتهم وأعطتهم خبرات يجب أن يمر بها الشخص الطبيعي في مدة لا تقل عن أربعين عاما حتى يكتسب ما اكتسبه هؤلاء الشباب في مدة قصيرة تؤهلهم لتولي أي عمل سياسي سواء على مستوى الحياة النيابية أو الوزارية، وأن هؤلاء لن يتم دفنهم أحياء كما تريد بعض الجهات، فالقيادات الطبيعية لا تموت مواقفها أو تأثيرها إلا بالموت الطبيعي، وأنت تعلم سيادة الرئيس جيدًا بما أنك قائد عسكري بالأساس، الفرق الشاسع بين القيادة الطبيعية والقيادة المصطنعة التي تحاول أن تفرضها جهات معينة، فالنوع الأول يدوم إلى ما شاء الله، أما المصطنع فعمره قصير.