رئيس التحرير
عصام كامل

المعالم الأثرية اليمنية ضحية الحروب والإهمال وعبث الإنسان


شهد اليمن حروبا وصراعات سياسية مسلحة، كانت المواقع التاريخية تتعرض فيها للتدمير والنهب والتهريب، وزاد تعرضها لمثل هذه الأعمال في حرب 2015 لوجودها مباشرة في مناطق الصراع المسلح وتحويلها إلى ساحات معارك واستخدامها من قبل أطراف الصراع كمتاريس عسكرية، وهذا يعرضها للقصف والدمار.

عميدة شُعلان الخبيرة اليمنية في آثار شبه الجزيرة العربية ولغاتها تسلط الضوء لموقع قنطرة على التهديد الخطير المحدق بالإرث الحضاري الإنساني في اليمن.

تكتسب الآثار في بلد ما قيمتها من كونها نتاج حضارة عريقة أسهمت بنصيب وافر في بناء الحضارة الإنسانية عمومًا، إذ تصبح حينئذ تراثًا إنسانيًا ينبغي على كل شعوب العالم المشاركة في العناية به والمحافظة عليه.

والآثار اليمنية، هي شواهد مادية على فترات حضارة أزدهرت عبر مراحل مختلفة من تاريخ اليمن الذي يمتد لأكثر من أربعة آلاف سنة، ومن أهمها السدود، والقصور، والمعابد، والأسوار، والتماثيل، والمساجد، والقلاع، والحصون، وغيرها.

وتوجد أهم المواقع الأثرية لفترة ما قبل الإسلام في اليمن، في السهول والوديان، وفي أطراف القيعان الجبلية من المرتفعات الوسطى؛ منها الحدأ ورداع والبيضاء وغيرها.

ومن أشهر الممالك اليمنية القديمة: مملكة سبأ في مأرب، ومملكة معين في الجوف، ومملكة قتبان في بيحان، ومملكة أوسان في مرخة، ومملكة حضرموت في شبوة.

وفي الفترة التاريخية الإسلامية ترك لنا اليمنيون مآثر معمارية وحضارية تميزت بالمحافظة على استمراريتها بأصالة الحضارة اليمنية القديمة ضمن التراث الإسلامي؛ منها مخطوطات كثيرة في مختلف أنواع المعارف، أو على شكل مآثر عمرانية، وزخارف إسلامية بديعة في المساجد، والمدارس الإسلامية، والقلاع والحصون التاريخية.

إلى جانب ذلك تلك المدن التاريخية التي احتفظت بطابعها اليمني الأصيل، والتي تعد بمثابة متاحف إسلامية مفتوحة وفريدة، ولعل من أهم المدن التاريخية؛ مدينة شبام حضرموت، ومدينة صنعاء القديمة، ومدينة زبيد، ومدينة صعدة، ومدينة جبلة.

وشهد اليمن عبر تاريخه الحديث حروبًا وصراعات سياسية مسلحة، وكانت المواقع الأثرية والمعالم التاريخية تتعرض كل مرة للتدمير، والنهب، والتهريب.

وزاد تعرض هذه المواقع والمعالم لمثل هكذا أعمال في الآونة الأخيرة نظرا لوجودها مباشرة في مناطق الصراع المسلح، وهذا ما من شك يشكل تهديدًا خطيرًا يضاف إلى سلسلة التهديدات التي تواجهها هذه المواقع، خاصة أنها تحولت هي نفسها إلى ساحات معارك واشتباكات، إذ استخدمت من قبل أطراف الصراع كمواقع عسكرية إستراتيجية، ودفاعية، وهذا ما يعرضها للقصف والدمار.

وبدخول اليمن في صراع مسلح ما بين "تنظيم القاعدة"، و"الجيش اليمني" دخلت المواقع الأثرية والمباني والمدن التاريخية وبعض المتاحف اليمنية منعطفًا خطيرًا جعلها عرضة للعبث والسرقة والتدمير مجددا.

وبتعدد مسارح هذا الصراع اتّسعت مخاطرها على المواقع الأثرية والمدن التاريخية، حيث يتمترس بعض أطراف الصراع اليمني فيها، وما من شك بأن هذه التمترسات لها تداعيات كارثية عليها، ومن هنا كانت الدعوات إلى خروج أطراف النزاع من المواقع الأثرية والمباني والمدن التاريخية وعدم اتخاذها ساحات حرب واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا.

ومن بين المواقع الأثرية والمآثر المعمارية والتاريخية "مسجد ومدرسة العامرية" في مدينة رداع، وهي من أهم المساجد والمدارس القديمة والأثرية في اليمن، يعود تاريخ بناؤها لعام (910هـ/1504م)، من عهد الملك "الظافر عامر بن عبد الوهاب"، ملك الدولة الطاهرية.

وقد فازت بجائزة "الآغاخان" في العمارة الإسلامية في حماية التراث العالمي، ومرشحة لإدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، ولكنها تحولت إلى ساحة قتال بين الأطراف المتصارعة؛ "أنصار الشريعة" التابع لتنظيم القاعدة، من جهة والجيش اليمني من جهة أخرى في نهاية عام (2011) الأمر الذي تسبب بأضرار كبيرة للموقع.

كما أن أجزاء من سور القلعة التاريخية لمدينة رداع، والتي يعود تاريخ بنائها إلى عهد الملك الحميري شمر يهرعش، الذي حكم في القرن الثالث للميلاد، قد تعرض هو الآخر للضرر والتصدع بسبب نيران القصف المتبادل بين "ميليشيات الحوثيين" من جهة، وبين "أنصار الشريعة" من جهة أخرى في عام (2014)

ومنذ انطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن في تاريخ 26 / 3 / 2015 صارت المواقع الأثرية والمعالم التاريخية والأثرية تحت القصف من مختلف الأطراف؛ "ميليشيات الحوثيين" من جهة، و"لجان المقاومة الشعبية" من جهة أخرى، وغارات طائرات التحالف العربي بقيادة السعودية من جهة ثالثة.

وبحسب الإحصائيات الرسمية المتوفرة لدى الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية تم رصد عشرات المواقع المتضررة بنيران القصف الأخير، سواء بالقذائف، أو الأسلحة الخفيفة أو الثقيلة، أو مضادات الطيران، أو بالغارات الجوية للتحالف العربي، بحسب ما كشف مهند السياني رئيس الهيئة وفقًا للبلاغات التي تلقتها الهيئة، التي لا تستطيع النزول الميداني لحصر وتوثيق الأضرار في بعض المناطق التي لا تزال مشتعلة.

ومن المواقع التي طالها التدمير الكلي أو الجزئي، في محافظة صنعاء؛ "مسجد وضريح الإمام عبد الرزاق ابن همام الصنعاني" والمتوفى في عام (211 هجرية) في منطقة حمراء بقرية دار الحيد بمديرية سنحان.

وفي محافظة الضالع؛ "دار الحسن" الأثري في قرية دمت التاريخية التي تعود إلى فترة عصور ما قبل الإسلام.

وفي محافظة عدن، تعرض لأضرار القصف الطابق الثالث من "المتحف الوطني"، الذي يعود تاريخ بناؤه إلى عهد السلطان "فضل بن على العبدلي" في عام (1912م) و"مسجد جوهرة" التاريخي، كما تعرضت لأضرار القصف "قلعة صيرة" التاريخية، التي تعد من أبرز قلاع وحصون مدينة عدن، وقد بنيت في القرن الحادي عشر الميلادي، وكان للقلعة دور دفاعي في حياة المدينة خلال المراحل التاريخية لمدينة عدن.

وفي محافظة تعز، تعرضت لأضرار جسيمة وبالغة من آثار القصف الجوي "قلعة القاهرة" التاريخية، ويعود بناؤها إلى عهد الدولة الصليحية (1045-1138م) وتعد النواة الأولى لنشأة مدينة تعز.

وقد قامت بأدوار عسكرية وسياسية مهمة خلال تاريخها الطويل، وليس ذلك فحسب بل إن الأيوبيين عندما دخلوا اليمن (1173م) جعلوها مقرًا لإقامتهم، كما أصبحت بعد ذلك مقرًا لحكم الرسوليين الذين حكموا اليمن من (1229-1454م)

وفي صعدة، تعرضت لغارات القصف الجوي المدينة القديمة في مركز المحافظة، وكذلك "جامع الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين بن القاسم"، الذي يعد أقدم جوامع مدينة صعدة وأهمها، حيث يعود تاريخ بنائه إلى عام (290 هجريا)

أما في محافظة صنعاء، فقد تعرض لغارات القصف الجوي (قصر السلاح) الذي يعتقد أنه مقام على أنقاض "قصر غُمدان" الشهير، الذي كان يعتبر من عجائب الهندسة المعمارية ومن أقدم القصور في العالم، وجاء ذكره في كتاب "الإكليل" الجزء الثامن، للمؤرخ والجغرافي اليمني "أبو محمد الحسن الهمداني" الذي عاش في (القرن الرابع الهجري/ العاشر ميلادي) وذكر أن الملك "سيف بن دي يزن" هو أشهر وآخر ملوك الدولة الحميرية، والذي حكم في القرن السادس للميلاد، والذين سكنوا بهذا القصر.

كما وصفه الرحالة محمد القزويني كإحدى عجائب بلاد العرب. وتعرضت أيضًا بعض المنازل في مدينة صنعاء القديمة و"قرية فج عطان" الأثرية لأضرار كبيرة من جراء القصف.

وفي محافظة الجوف، تعرض للأضرار وتدمير أجزاء كبيرة منه "سور مدينة براقش" الأثرية، والتي تعود إلى فترة ما قبل القرن الخامس قبل الميلاد.

وفي مدينة صرواح في محافظة مأرب، تعرضت جدران المعبد المعروف باسم "معبد أوعال صرواح" إلى التشقق في الكثير من ملحقات المعبد وأجزائه خاصة السور، ويعود تاريخ هذا المعبد إلى عهد الدولة السبئية، وهو ضمن المواقع الأثرية التي قامت البعثة الألمانية بالتنقيب فيه، وكشفت في عام (2005) عن أهم وأكبر نقش سبئي يعود تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد.

أطلقت السلطات اليمنية المعنية بالآثار والمدن التاريخية، ومنظمات المجتمع المدني المعنية بشئون الآثار، والمختصون والأكاديميون، وأساتذة الجامعات اليمنية سلسلة من النداءت والتحذيرات دعت فيها جميع أطراف النزاع إلى الابتعاد عن هذه المدن والمواقع الأثرية، وتحييدها عن جغرافية الصراع، وإنقاذ ما تبقى من الإرث الحضاري الإنساني، باعتباره إرثًا إنسانيًا ينبغي المحافظة عليه.

وبموجب المعاهدات الدولية، واتفاقية لاهاي بشأن حماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح وبروتوكوليها لعام (1954) واتفاقية اليونسكو بشأن التراث العالمي لعام (1972)، فقد تلقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) تقارير عن الأضرار الجسيمة التي لحقت بمواقع التراث الثقافي البارزة في اليمن.

ودعت المديرة العامة للمنظمة السيدة "إيرينا بوكوفا" جميع الأطراف إلى حماية التراث الثقافي لليمن، وطالبت أن "تمتنع كل الأطراف المشتركة في القتال الدائر عن استهداف مواقع التراث الثقافي والأبنية التاريخية من خلال عمليات القصف أو الضربات الجوية أو استخدامها لأغراض عسكرية".

وذكرت أن منظمة اليونسكو كانت قد تبنت في عام (1984) مشروع الحملة الدولية لحماية صنعاء القديمة، وساهمت بإعادة بناء سور المدينة التاريخي، وترميم العديد من مبانيها، وإصلاح الجسور والممرات الداخلية في المدينة بنفس نمطها القديم.

كما قامت بإدراج عدد من المدن والمواقع اليمنية ضمن قائمة التراث العالمي، وهي: مدينة شبام حضرموت في العام (1982)، ومدينة صنعاء القديمة في عام (1986)، ومدينة زبيد في عام (1993)، وجزيرة سقطرى في عام (2008)

وكان هناك مقترح لإدراج مدينة صعدة، ضمن قائمة التراث العالمي، لكن لا يعرف مدى تحقق هذا الهدف بعد أن تعرضت المدينة، التي تشكل معقلًا للحوثيين، للقصف العنيف لا سيما من قبل طيران التحالف العربي.

هذا المحتوى من موقع دوتش فيل اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل

الجريدة الرسمية