رئيس التحرير
عصام كامل
Advertisements
Advertisements
Advertisements

الدراما.. «حشيش وخمور وألفاظ بذيئة»


«الصورة تساوي ألف كلمة» لكن عندما تجتمع الصورة مع الكلمة يزداد تأثيرها، ولذلك تعد الدراما التليفزيونية واحدة من أهم روافد التأثير على المصريين، خصوصًا المعروض منها خلال الموسم الرمضاني، غير أن تدني المستوى المقدم الآن يدق ناقوس الخطر بشأن مضامين المسلسلات.


من «حديث الصباح والمساء» رائعة نجيب محفوظ إلى مسلسلات أسامة أنور عكاشة وإسماعيل عبد الحافظ «الثنائي» الأكثر تأثيرًا في الدراما المصرية والعربية بأعمالهما الخالدة، ومن أشهرها «ليالي الحلمية»، و«بوابة الحلواني»، و«رأفت الهجان»، و«المال والبنون»، و«سوق العصر»، و«الوسية»، و«الشهد والدموع»، و«زيزينيا»، كانت جميعها مؤشرًا على رقي الذوق العام المصري لترى النور في صورة إبداعية متكاملة.

بعد «25 يناير» تأثرت الدراما المصرية كغيرها بأحداث الثورة وما نتج عنها فشقت مشاهد العنف، والألفاظ الخادشة للحياء والعري طريقها إلى الشاشة، حتى أن بعض المسلسلات أصبحت تصنف بأنها للكبار فقط، وينصح بمشاهدتها بإشراف عائلي، بعد أن كانت الدراما تدخل البيوت وتشاهدها الأسرة بالكامل دون أي خوف من مشهد خادش للحياء أو لفظ خارج.

نقاد كثيرون حذروا دون جدوى من ظاهرة العنف والمشاهد الخارجة والعري في المسلسلات لخطورتها على الأسرة المصرية، خصوصًا الأطفال والمراهقين، فيما رأى المنتجون أن لهم كامل الحرية فيما يقدمونه تحت شعار حرية الإبداع، مع الاحتفاظ بنجوم الصف الأول مثل يحيى الفخراني، ونور الشريف، وغيرهما بنوعية مسلسلاتهما المتميزة، ولا تدخل ضمن تصنيف المسلسلات الخارجة.

أما الأعمال الدرامية «الخادشة للحياء» التي تعرضت لانتقادات، فكانت «مع سبق الإصرار» هو المسلسل الأكثر تعرضًا للنقد وهو من بطولة الفنانة غادة عبد الرازق مع المخرج محمد سامي، وكذلك مسلسل «حكاية حياة»، وحرص سامي خلال العملين على تقديم صورة نمطية واحدة من خلال التركيز على الألفاظ الخارجة بصفة مستمرة، مع وجود «الحشيش والخمرة» والألفاظ الخارجة التي لا تفارق أبطال العمل كالمعتاد في كل أعماله.

وتكرر هذا النمط في مسلسل «كلام على ورق» بطولة هيفاء وهبي، الذي تضمن أيضًا التيمة الأساسية لمحمد سامي وهي «الحشيش والخمر والعلاقات غير الشرعية»، وتعرضت أعماله لانتقاد شديد من الناحية الفنية والأخلاقية أيضًا، خصوصًا أنها عرضت في شهر رمضان الكريم، «مزاج الخير» من بطولة مصطفى شعبان وعلا غانم ودرة سجل حالة من الجدل، وصلت إلى حد تحريك الدعاوى القضائية ضد صناعه بتهمة خدش الحياء، وانتهاك حرمة شهر رمضان لأن المسلسل كان مليئا بالإيحاءات والألفاظ الخارجة، خصوصًا ما جاء على لسان بطلته علا غانم، إضافة إلى ملابس الممثلة «درة» غير المناسبة، وفقًا لما رآه عدد من النقاد.

وهناك مسلسلات أخرى رفعت شعار «الجرأة فوق كل اعتبار» في مشاهدها، مثل مسلسل «القاصرات» من إخراج «مجدى أبو عميرة،» وبطولة صلاح السعدني، وداليا البحيري، وكذلك مسلسل «موجة حارة» من تأليف مريم نعوم وإخراج محمد ياسين، والذي عرض مع التحذير الشديد «+ 18»، للتدليل على جرأة محتوى المسلسل، وهو التحذير الذي لم يكن موجودًا من قبل في الدراما المصرية، إضافة إلى أنه تم حذف بعض المشاهد من المسلسل، ورفضت عدة قنوات عرضها لعدم تناسبها مع شهر رمضان الكريم.

وحول هذا النوع من المسلسلات، تحدث المحامي سمير صبري - أحد من أقام دعاوى قضائية ضد هذه المسلسلات - قائلًا: «ده مش فن ده وباء»، موضحًا أن المجتمع أصبح يعاني انتشار وباء مسلسلات الإيحاءات الجنسية، وأصبحت ظاهرة في المحطات التليفزيونية تخترق البيوت، وتهدد كل القيم والأخلاق الأصيلة التي تربى عليها المجتمع.

وذكر أن المنتجين أصبحوا يتسابقون على تقديم مسلسلات تعتمد على الإثارة والعنف والعري، وتمثل إهانة للمرأة المصرية بصفة عامة، مؤكدًا أن بعض المنتجين أصبح لديهم اعتقاد راسخ بأن الدراما والسينما لا يمكن أن تنجحا ويكون لهما سوق رائجة دون تعرية الفنانات، وأصبح هذا الاعتقاد يمثل خطرًا داهمًا على سمعة المجتمع المصري «عربيًا ودوليًا» - على حد قوله.

وأضاف أن الفن يجب أن يتلاءم مع قيم وأخلاق ومبادئ المجتمع، وما يعارض ذلك لا يعتبر فنًا، وإنما مجرد تجارة رخيصة يجب القضاء عليها لضمان سلامة المجتمع، وتابع «التخلص من هذه النوعية من المسلسلات لا يتعارض مع حرية الإبداع، فالحرية مسئولية، وتتوقف عند حد إيذاء المجتمع، وهذا النوع من المسلسلات يساهم في تدميره.

أما الخبير النفسي الدكتور أحمد هارون فقال إن المسلسلات العنيفة، تتضمن مشاهد غير مناسبة وإيحاءات جنسية تؤثر على المراهقين، لافتًا إلى أن المراهق سنه في المرحلة العمرية من (16 إلى 21 عامًا)، ويكون مثل «السفنجة» يمتص كل ما يتعرض له في وسائل الإعلام.

وأوضح أن تصرفات الطلاب تجاه المعلمين أصبحت عدوانية وأكثر عنفًا، وذلك بعد ظهور شخصية أسماها علماء النفس «السرسجية»، وهي شخصية تتصف بأنها عدوانية ومندفعة ولا تراعي أي قيم أو عادات وتقاليد، وتقلد ما تتعرض له في وسائل الإعلام والسينما والدراما.

وذكر هارون أن «السرسجية» ظهرت نتيجة ظاهرة المسلسلات والأفلام السيئة مثل أفلام السبكي، التي أدت إلى انتشار العنف والسلوك العدوانى بين طلاب الثانوية العامة والطلاب في مرحلة التعليم الجامعي، مشيرًا إلى أن هذه الأفلام أدت إلى تدنى المستوى الأخلاقي، وتراجع القيم في المجتمع.

وأضاف: «يجب البحث عن نماذج بديلة في الميديا والأفلام والمسلسلات تجتذب المشاهدين، خصوصًا المراهقين وتساعد على الارتقاء بمستواهم الفكرى والأخلاقي».

ورأى «الدكتور جمال فرويز - الاستشارى النفسي» أن الدراما والسينما سبب رئيسي في زيادة معدلات الجريمة، وارتكابها بأسلوب مختلف على طبيعة المجتمع المصري، مؤكدًا أنه لا يعترض على مناقشة المسلسلات والأفلام للجرائم وعرضها وعرض أعمال تناقش قضايا الجنس لكن المشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الأعمال تقدم لشعب مستواه الثقافي والتعليمي منحدر، ما يجعله يقلد ما يشاهده فقط دون أن يفهم طبيعة القضية التي يطرحها العمل الفني والغرض منها.

وأشار إلى أن المراهقين تحديدًا يقلدون بشكل أعمى ودون أي تمييز للفرق بين الأعمال الفنية والواقع، مضيفًا: «صناع الدراما والسينما يجب أن يضعوا في اعتبارهم أن الشباب والمراهقين يقلدون أبطال الأعمال الفنية ويقتدون بهم».

وتبقى الدراما حصن الأمان للأسرة المصرية، ورغم وجود بعض التشوهات والأعمال التي وصفت بأنها غير لائقة أو خادشة للحياء وبعيدة تمامًا عن الإبداع والفن المصرى الأصيل، إلا أن هناك أيضًا محاولات إبداعية كثيرة من قبل نجوم الصف الأول ممن يحرصون على تقديم إبداع يرتقى بذوق المشاهد ويرفع مستواه الأخلاقي والقيمي أيضًا، وأعمال فنية على مستوى عالٍ تلقى قبولًا وترحيبًا من قبل النقاد والجمهور وتحقق المعادلة الصعبة «رضا الجمهور والنقاد والربح التجاري».

ومع تكرار المطالبات بتنقية الفن سواء الدراما أو السينما من مثل هذه الأعمال الرديئة، يبقى الأمل قائمًا ومرهونًا بجهود المبدعين، والمخلصين في خدمة الفن، من خلال البحث عن بديل آخر مناسب يركز على الإبداع والفن الراقي، ويعالج قضايا مجتمعية مهمة بأسلوب فنى بعيدًا عن الجانب التجارى البحت.

والآن يناشد النقاد الدولة دعم الفن ومساعدة المبدعين على تقديم أعمال راقية، وبدائل فنية متميزة تحارب بها الأعمال التجارية الرخيصة، خصوصًا بعد إعلان الرئاسة ووزارة الثقافة عن رغبتها في تقديم فنا هادفا يخدم المجتمع وتقليل الأفلام الهابطة والتجارية الرخيصة، وتنقية الفن منها.
Advertisements
الجريدة الرسمية