إعلام البامية بالملوخية الموجّه
كأن مصر قد بلغت درجة من الرفاهية، تجعل إعلامها يتفرغ فقط لمناقشة سعر البامية والطماطم، والملوخية، التي مارست جنونها الطبيعي خلال الأسبوعين الأول والثاني من شهر مايو الجاري، وهي حالة لم يحظَ بها أي محصول حقلي أو بستاني، منذ ما يزيد على ثلاثة أعوام.
لم أرَ إعلاميًا واحدًا، غير إعلاميي قناة مصر الزراعية، كونها متخصصة، تعرّض لمناقشة حالة الفلاحين والمزارعين المصريين، على اختلاف مستوياتهم، الذين خسروا أربعة أعوام من أعمارهم، وأموالهم وأموال اقترضوها، في شيء واحد، هو محاولة إنتاج غذائي لا يتأتى بدون العمل المضني الذي يكسر الظهر.
خسر الفلاح في البطاطس، والموالح، والطماطم، والقطن، والأرز، والقمح، والذرة، والقصب، وكل ما يحاول إنتاجه سواء من محاصيل استراتيجية، أو كمالية، وحتى تلك التي خرجت من خانة "التنكيت" إلى باب "التصدير" مثل الفراولة والكنتلوب، فكلها خذلت الفلاح والمزارع والمصدّر، بحيث زاد هجران الأرض، وتراجع الإقبال على الزراعة، وخيم الكساد على الريف والحضر.
لم أسمع شخصًا واحدًا من العاملين في مجال الإعلام الموجّه، قد مر مرور الكرام على كارثة ارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج الزراعي، بحيث أصبح السماد الكيماوي باهظ الثمن، إذا توافر، وحتى السماد البلدي أصبح عزيزًا على الرغم من تكدسه في مزارع المربين؛ وذلك لارتفاع أسعار النقل، بفعل ارتفاع أسعار السولار.
لم يتطرق إلى هذه الهموم أحد المُدَّعين الإعلاميين "جمع مُدَّعي ـ وأقصدها"، كونهم ليسوا أبناء هذه المهنة ولم يجيدوا التعامل بها حتى الآن، كونهم قدموا إليها من الصحافة، ولعب الكرة، والتمثيل، ومواقع أخرى، فظلوا يرقصون على "السلالم" دون امتلاك ميثاق شرف مهنة الإعلام.
لم يتطرق أحد الأدعياء هؤلاء إلى الهموم التي تطارد الفلاح، سواء على صعيد ديونه، أو احتياجاته في التوسع السكني، أو "تستير" بناته اللائي حان موعد زواجهن؛ لأن القطن لم يعد "ذهبًا"، وتربية الماشية لم تعد "حصالته" البيضاء لليوم الأسود.
مصدر العجب ليس في جهل أدعياء الإعلام بأهمية الزراعة في اقتصاد دولة مثل مصر، لكن العجب فيمن يوجه الإعلام للتكتّم على الحالة المزرية للفلاح، ثم بالانفلات اللغوي جهلاً ورياءً، حين تسجل أسعار الطماطم أرباحًا خيالية لمدة 15 يومًا فقط، بحيث تكون "عُروة" واحدة مربحة، بعد ثلاثة أعوام بتسعة عُرى زراعية "جمع عروة"، خاصة في الطماطم والبطاطس.
المتابعون لحالة الزراعة المصرية خلال الأعوام التي أعقبت ثورة يناير 2011، يتأكد من أن الأقطان قد أذلت زارعيها، والأقماح لم تغط تكلفة إنتاجها، والأرز الذي يستهلك مياهها بضعف ثمنه يتم طحنه للماشية، كونه أرخص سعرًا من الأعلاف، كما لم تنجُ الذرة بنوعيها "الشامية" والرفيعة، من كفة الخسارة، بعد أن فضل اتحاد منتجي الدواجن استيراد الذرة الصفراء من الخارج.
كما أن من يزرعون الأسماك لا يجني سوى الندم، ومن يعملون في تربية البتلو والدواجن لم يجمعوا رؤوس أموالهم، فخسروا بالتالي عرقهم، وذلك بفعل ارتفاع أسعار الأعلاف الحيوانية والسمكية، ولم يفلت زارعو الموالح من الخسارة بسبب وقف التصدير، وبالتالي هبوط سعر البرتقال "أبو سرة" إلى 30 قرشًا فقط؛ لذا كان "تخليع" الأشجار بثمارها مصير أكثر من 20% من زراعات الموالح، خلال الفترة من يناير حتى أبريل الماضيين.
كل هذه المصائب، ولم يعرف إعلامي واحد كيفية التطرق إلى مثل هذه المشاكل، لمناقشتها واستعراض المتخصصين حلولها؛ لأن كل الإعلاميين لا يعرفون عن الزراعة شيئًا، أكثر من أنهم يريدون أكل الطماطم والبامية والملوخية والبصل والفلفل الأخضر والليمون، بالرخيص دائمًا، وهم لا يعرفون أن رخص عرق الفلاح يعني رخص وطن بأكمله، خاصة إذا كان هذا الوطن "مصر".
barghoty@yahoo.com