رئيس التحرير
عصام كامل

عامل النظافة يفضح المجتمع!


أثارت تصريحات وزير العدل الذي استقال أو الذي أقيل، ردود فعل غير عادية، والسبب ببساطة أننا في مجتمع "هش" ضعيف البنية، عندما صرح وزير العدل بأن "ابن عامل النظافة" لا يصلح أو لا يقبل ليكون قاضيا، الأمر الذي لفت الأنظار هو النفاق، وكأننا اكتشفنا فجأة أن عامل النظافة إنسان ويجب احترامه.


ولكن هذا الأمر أعادني إلى مقال كتبته في عام 2010، ورفضت نشره جريدة مستقلة عالية الصيت، وفيه تحدثت عن التوريث الذي ضرب كل المهن في مصر، الأطباء، ضباط الجيش والشرطة، أساتذة الجامعات.. إلخ

ويومها قلت إن أول المهن التي تمت خصخصتها لأبنائها هو القضاء، ويليه التدريس في الجامعات، وأريد من أساتذة الجامعات والقضاة أن يجيبوني، كم فرد في عائلة أي منكم في السلك الذي تعملون به!؟.. معروف لبسطاء الشعب أن هذه الوظائف شبه محجوزة لأبناء المهنة، وعداهم ليس له مكان بصرف النظر عن الكفاءة والتقدير وخلافه.

وهناك صورة أخرى ربما تطل أمام الملايين، العمل في التليفزيون المصري كان مقصورا على الأبناء والأحفاد والأقارب والجيران، وأحدهم قدم ابنه وابنته للإذاعة، ثم انتقل الولد للشاشة ليطل علينا بكآبته، والبنت زوجها منعها وسافرت، ومكانها محجوز بالإذاعة حتى الآن، وما خفي كان أعظم، إذن عن أي تكافؤ ومواطنة نتحدث؟ 

لقد تفتت المجتمع المصري منذ منتصف السبعينيات، وتمزق بالرغم من أننا كنا منتصرين في حرب أكتوبر المجيدة، وبدلا من التماسك ومحاولة القفز إلى الأمام بالعمل والاجتهاد، قفزنا خارج الحدود سعيا وراء الرزق، قفزنا اعتقادا من الدولة أن السفر للخارج هو الحل السحري لمشاكلنا، وللأسف سافر الشاب الفلاح.. وعندما عاد، لم يعد فلاحا بل مسخ فلم يستمر كفلاح يزرع ويحصد، ولا هو عاد بمشروعات جبارة تحل مشاكله وتنفع غيره، السباك عاد يبحث عن مهنة أخرى لا يجيدها، حتى المهن التي علمت أجيالا وأجيالا "التدريس".. تركها الكثيرون وعاشوا في الخليج يجمعون مالا اعتقادا أنه يحل مشاكله، الطبيب، المهندس، للأسف تم تدمير البنية التحتية للمجتمع المصري في كل الاتجاهات، ولم يعد تكافؤ الفرص إلا كلام على ورق نتشدق به.

تنبأ فيلم "انتبهوا أيها السادة" بالانقلاب في المجتمع، ولم نبال، ساهم كل منا بجزء في هدم المواطنة، وساهمنا في ترسيخ كل الموبقات، وتنازلنا عن كل جميل، تعلمنا أن هناك كبيرا وله كل الاحترام والتقدير، وأن "اللي مالوهش كبير يشتري له كبير"، تعلمنا العيب وحق الجار وحق الطريق، ولكن أصبحنا في زمن الأشباه، أشباه الرجال، أشباه النساء، أشباه الشباب، أشباه المتدينين، كل شيء، تصريحات وزير خطأ سياسي، ولكن ما جاء فيه حقيقة علينا أن نعترف بها، ونتذكر كلام التراث الشعبي الرائع حين يقول الراوي: راحت رجال العز والهيبة.. وجت رجال لا تعرف العيبة!!
الجريدة الرسمية