رئيس التحرير
عصام كامل

الرئيس مذيعًا!


يمكن القول إن الحديث الشهري الذي يجريه الرئيس مع الشعب عبر تسجيل، يفتقد حرفية مهنية من إضاءة وكادر وصوت، شكونا منها من قبل، هو حديث يضع الأساس الصحيح للتناول الإعلامي المهني، للقضايا السياسية والاجتماعية، سواء قصد رئيس الجمهورية ذلك، أم لم يقصده، وسواء اقتنع الرداحون والندابون والمعدداتية والحنجوريون، أم لم يقتنعوا.


من الأول، أطل الرئيس على الناس بابتسامته المعهودة، ليفشي الطمأنينة في قلوب الجماهير، وهذا دور القادة والزعماء، أن يبثوا رسائل حب ومودة وأمان، عبر النظرة والبسمة وإشارات الجسد، واختار الرئيس طبقة في صوته تنتمي إلى لحن الود والسرد والحكي، استجلابا للأنس، واستمالة لمشاعر الجماهير، بهدف إقناعهم بصحة وقوة رسالته السياسية.. اللغة التي تكلم بها الرئيس المذيع اتسمت بالهدوء والبيان والسلاسة والتفاؤل، وعبرت بقوة وإيجاز عن هموم الناس وآمالهم، دون أن تتشنج في وجه الرجل عضلة، ولا تبرز له ومنه شرارات الغل، لتسويد عيشة الناس.

حتى وهو يتكلم عن الفقر والفقراء والقرى الأكثر احتياجا، والعائلات الأشد عوزا، كان الرئيس يتأني ويتمهل؛ بحثًا عن الألفاظ اللائقة، تعبر ولا تجرح، أو تحقر، وذلك راجع ببساطة إلى حسن تربية الرجل، وأنه ابن بلد، وعنده ذوق.. ومن عجب أن كلام الرئيس المتمهل في آخر اليوم، كان سبقه في أول اليوم تصريحات غبية لوزيرة البيئة، فقد انسحبت الوزيرة ليلى إسكندر من لسانها، مثلما فعل وزير العدل المقال محفوظ صابر، واتهمت الصعايدة بنشر العشوائيات في القاهرة، ومن الواضح أن الحكومة مبتلاة في ألسنة نفر من وزرائها، تنقصهم اللباقة والكياسة، وتغمرهم الفجاجة وخشونة القلب.

الرئيس ذوق، ورئيس الحكومة أيضا المهندس إبراهيم محلب، ومن احتكاكي به قبل الوزارة، عرفته رجلا مهذبا عف اللسان، عكس بعض وزرائه عفني الألسنة!

بنعومة وهدوء ولهجة تطمين، واعتزاز بالمستقبل، مضت رسائل رئيس البلاد إلى الناس، وقد وصلت، ودحضت ألغام العصابة الإعلامية التي تجمعت على الشر في الشهر الأخير، وراحت تشكك الشعب، وتتصيد الأخطاء، وتضغط على أعصاب الرئيس باتهامات من عينة أنه مستبد، وأنه الفرع الآخر لمبارك، وأن الفساد في عهده ألعن، وأن الداخلية استأنفت جبروتها، وأن البلد لم تحقق إنجازا.

لم تختلج نبرات الرئيس غيظا أو ملامة، أو استغرابا من هوس العصابة الفضائية بغرز السهام فيه، وزعزعة استقرار نسبي صرنا نتمتع به، بثمن باهظ من دم أولادنا في الشرطة والجيش، بل مضى يشرح ويوضح، ويبني أساسا للتفاؤل، وذلك من أقدس واجبات القيادة، أن تلهم شعبك بالنور وسط الظلمات، ليبلغوا قرص الشمس.

تبقى لي ملاحظة أخيرة، وهي أن الهدوء والسكينة والتفاؤل كانت جميعها ناقصة ما نسميه عادة بالنيرف، أي العصب، put your heart in your words، دون أن تتمادى في الحمية وتتحول إلى الزعيق، والتشليق.. من أجل هذا أنصح لو أن الرئيس بقى رئيسا، وترك دور المذيع، إلى مذيع محترف، خبرة، تاريخ، عراقة، عليم، ولا مانع من المشاركة في وضع القضايا والموضوعات التي يهم الرئيس أن يتكلم فيها إلى الشعب.

مع وجود مذيع، محترف واثق، وأسئلة ذكية، سيلتهب العصب في الرئيس، وسيركز أكثر في الردود، بلماحية، ويتحرر من خجل أو تردد، أو تمهل، يطول أحيانا على لسان السيد الرئيس.

في كل الأحوال، نتمنى أن تتعلم عصابة التشكيك والتحريض والتفعيص، من روح التفاؤل وطرح الرسائل السياسية بإيجابية، وانتهاج أسلوب يبني لا يهدم أو يورث اليأس في النفوس، يمهدون الطريق لعودة طيور الظلام من الإخوان.

أظن المرة القادمة سنرى رئيسنا وأمامه مذيع يستفزه بأدب وذكاء ومعلومات!
الجريدة الرسمية