أسباب استقالة وزير العدل!
أبدًا لم تكن «إقالة»، أو «استقالة»- سمها كما شئت- وزير العدل المستشار محفوظ صابر لمجرد «زلة لسان»، بشأن تصريحه حول «ابن الزبال الذي لا يصلح للعمل بالقضاء».. وليست بسبب «تقارير» الجهات السيادية المرفوعة لـ«الرئيس».. ولا لأن الرجل لا يتمتع بـ«وعي سياسي»؛ يتيح له التواصل مع الجماهير، أو التحدث لوسائل الإعلام.
كما أن الإقالة أو الاستقالة ليست لأن الوزير خالف «المادة 14» من الدستور التي تنص على: الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها، لخدمة الشعب.
ولا لأنه خالف «المادة 53» التي تنص على: المواطنون سواء، متساوون في الحقوق والحريات والواجبات العامة، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعى، أو الانتماء السياسي أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر.
ولا لأن التمييز والحض على الكراهية جريمة، يعاقب عليها القانون.
ولكن- حسب اعتقادي- أن السبب الحقيقي لـ«استقالة» وزير العدل، هو تهدئة الأصوات الغاضبة، التي وصفت تصريحات الوزير بـ«العنصرية»، وتقديم هذا الرجل «كبش فداء»، حتى لا يتم فتح «مغارة» التجاوزات داخل المؤسسة القضائية.
فرئيس الحكومة الذي استجاب لـ«الرأي العام» وقبل استقالة وزير العدل بسبب «زلة لسان»، هو نفسه الذي لم يحرك ساكنًا تجاه اللواء أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية، بسبب تحدثه مع المواطنين بأسلوب غير لائق.. وبإشارات خادشة للحياء.. وهو نفسه الذي لم يتخذ إجراءً ضد وزير التعليم العالي الدكتور سيد عبد الخالق؛ بسبب تصريحه: «إللي يقول فيه خلافات مع رؤساء الجامعات نتن وقليل الأدب»!
وحتى تتضح الصورة أكثر، فليسمح لي الرئيس عبد الفتاح السيسي، ورئيس الوزراء إبراهيم محلب، أن أسألهما: أيهما أكثر جرمًا، وأشد وطأة، مَنْ «أهان» شريحة شريفة من المجتمع، أم شارك في «اغتيال» هذه الشريحة معنويًا؟
إننا لا نبرر ما فعله الوزير.. ولكن الرجل نطق بما هو كائن ومستقر داخل المؤسسة القضائية.. والجميع يدرك ذلك.. والأمر ليس وليد اللحظة، ولكنه بمثابة «عرف» معمول به.. بدليل أن 138 خريجًا من كليات الشريعة والقانون دفعة 2011، مازالوا- حتى هذه اللحظة- مستبعدين من التعيين في النيابة العامة؛ بسبب اشتراط مجلس القضاء الأعلى ضرورة حصول الوالدين على مؤهل عالٍ.. فبماذا نفسر ذلك؟
وبم نفسر تعيين 3 توائم في دفعة النيابة العامة 2011، التي صدق عليها الرئيس السيسي، رغم أنهم ليسوا من الأوائل؟ وكذلك تعيين أبناء القضاة، ورفض تعيين أبناء البسطاء والكادحين؟
ألا يستحق جامع القمامة، والفلاح، وعامل البناء، وأرباب المهن الشريفة.. التكريم؛ لأنهم كسروا القاعدة، وكافحوا، وضحوا بكل ما يملكونه من أجل تعليم أولادهم؛ فتفوقوا وحصدوا المراكز الأولى في كليات الحقوق والشريعة والقانون، وباتوا مؤهلين لخدمة الوطن؟!
إن ما نقوله ليس تدخلًا في أحكام القضاء، ولا التعليق على قراراته، ولكن مطالبة «القضاة» بتفعيل الدستور الذي أقسموا على احترامه، وتطبيق القانون الذين يحكمون بمقتضى مواده..
وإذا كانت الحكومة تريد حقًا «رد اعتبار» السيد المواطن «جامع القمامة»، والشرائح المماثلة له؛ فإن أول «عربون» حقيقي لذلك هو موافقة الرئيس على تعيين «138 خريجًا من كليات الشريعة والقانون دفعة 2011 في النيابة العامة»، وعدم السماح بذلك مستقبلًا، وإلا «ستعود ريمة إلى عادتها القديمة».. أليس كذلك؟!