عيون وآذان (يجمع بينهما الجريمة)
ثمة قوائم كثيرة عن أقوى مجموعات لوبي في الولايات المتحدة، وهي تختلف من واحدة الى أخرى، غير أنني لم أقرأ بعد أي قائمة لا تضع لوبي إسرائيل، أو لجنة العمل السياسي في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، ضمن أول عشر جماعات ضغط.
لو كتبت أنا قائمة، مع إدعائي المعرفة بحكم الإقامة السابقة والعمل المستمر والمتابعة اليومية، فإنني أضع لوبي إسرائيل في رأس القائمة وبعده لوبي حمل السلاح.
ماذا يجمع بين هذا اللوبي وذاك؟ يجمع بينهما الجريمة. إسرائيل تقتل الأطفال وأسراً بكاملها، وحمل السلاح يقتل أطفال الأمريكيين، كما رأينا في مأساة بلدة نيوتاون الأسبوع الماضي حيث قُتِل 20 طفلاً أعمارهم بين السادسة والثامنة، وستة بالغين. وقال لوبي السلاح إنه «صدم وحزن» للمأساة إلا أن هذا لا يرد الأطفال الضحايا الى الحياة.
إسرائيل قتلت 1500 ولد فلسطيني، أو قاصر دون الخامسة عشرة منذ 29/9/2000، والسلاح يقتل ألوف الأمريكيين كل سنة حتى إنني قرأت أن مليون أمريكي قتلوا بالرصاص منذ اغتيال الرئيس كنيدي سنة 1962.
أعود الى الأرقام قديمة وحديثة فعندنا من تفاصيل الهجوم الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة قتل ثمانية من أسرة الدلو بينهم خمسة أطفال. وقبل ذلك كان هجوم 2009 وبضع مئة قتيل، وفي صيف 2006 الهجوم على لبنان وأكثر من ألف قتيل، وإسقاط طائرة ركاب ليبية في 1973، وضحايا 1967 و1973، و1982، سجل إسرائيل هو تاريخ جريمة من دير ياسين وقبية ومدرسة بحر البقر حتى الجريمة التالية، وهي لا بد آتية.
لوبي إسرائيل يحمي جرائمها، بما في ذلك الهجوم على السفينة ليبرتي سنة 1996، وقتل 34 من بحارتها، أو من نوع سرقة مواد نووية، وتجسس على أجهزة الإدارة الأمريكية وسرقة معلومات ونقلها إلى إسرائيل، بل سرقة أسرار صناعية وتجارية فتنتج إسرائيل وتصدر وتنافس الصناعيين الأمريكيين حول العالم من دون إنفاق قرش واحد على الأبحاث والتطوير.
اللوبي اشترى الكونغرس ووضعه في جيبه، إلى درجة أنه أفشل اختيار سوزان رايس وزيرة للخارجية، وهو الآن يحارب اختيار جون كيري للمنصب، ونسمع خرافات من نوع أن كيري رجل سورية في واشنطن، بما يذكّرنا بخرافة القارب «سويفت» وتخلي كيري عن زملائه، مع أنه بطل حاز على أرفع الأوسمة الأمريكية، مثل النجمة الفضية والنجمة البرونزية وثلاث ميداليات القلب القرمزي، في حين أن جورج بوش الابن لم يحارب في فيتنام، وإنما استطاع بوساطات أسرته أن يقضي الحرب في الحرس الوطني في تكساس.
واللوبي الآن ينظم حملة ضد السيناتور السابق تشك هاغل، بعد أن طرحت الإدارة اسمه وزيراً للدفاع، والمواقع الليكودية تقول صراحة إن السبب أن كيري وهاغل ليسا صديقين لإسرائيل. هذه وقاحة متناهية فالمطلوب أن يكون المسئول في الإدارة خادماً لإسرائيل لا الولايات المتحدة. وقد رد هاغل يوماً عندما سئل عن سجله في التصويت على قضايا إسرائيل فقال حرفياً: «دعوني أوضح شيئاً إن كان في عقولكم شك. أنا سيناتور أمثل الولايات المتحدة لا سيناتور يمثل إسرائيل. أنا سيناتور أمريكي وأؤيد إسرائيل. إلا أن اهتمامي الأول أنني أقسمت على دستور الولايات المتحدة، وليس لرئيس أو حزب في إسرائيل.
لوبي السلاح ليس أفضل من لوبي إسرائيل، وهناك مَنْ يقدمه في النفوذ على لجنة العمل السياسي في العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية. بل هناك مَنْ يقدم بعض «لوبيات» شركات الأدوية وصناعة السلاح الكبرى.
هذا غير صحيح لوبي إسرائيل الأكثر نفوذاً، وبعده لوبي السلاح، وأسلوبهما واحد هو المال، فلوبي السلاح يضم أربعة ملايين عضو يشجعون على التبرع لأعضاء في مجلسي الكونغرس يؤيدون حمل السلاح وانتخابهم. أغامر اليوم وأقول إن كل الحديث عن تقييد حمل السلاح، ودموع باراك أوباما، ودماء الأطفال، لن تغيّر شيئاً. فسيبقى لوبي إسرائيل وبعده لوبي السلاح أقوى من الرئيس وإدارته.
الولايات المتحدة تمثل خمسة في المئة من سكان العالم، و50 في المئة من قطع السلاح الفردية فهي تبلغ 300 مليون قطعة، ويُقتل حوالى 80 أمريكياً كل يوم بسلاح ناري، وتقتل إسرائيل مَنْ تستطيع أن تصل إليه من الفلسطينيين.
وهذا وذاك ممكن في بلد رائد في الحريات وحقوق الإنسان لأن ما يسمّون لوبي هو في الواقع جزء من عصابة جريمة منظمة.
نقلاً عن الحياة اللندنية