رئيس التحرير
عصام كامل

ماتت أمى.. وتبقى مصر


زى النهاردة من سنة فاتت، ماتت أغلى إنسانة فى الدنيا، ماتت أمى الإنسانة الوحيدة التى أحبتنى دون مقابل، الإنسانة التى كانت السعادة بالنسبة لها أن ترانى سعيدا، الإنسانة التى كان يكرمنى الله من أجلها، ورغم مضى عام كامل على رحيلها إلا أننى أراها كل يوم وأتذكر دعاءها وتعليمها لى فى كل موقف رغم أنها كانت فلاحة بسيطة لا تعرف القراءة والكتابة، لكنها كانت مدرسة فى الأخلاق ومن كلماتها التى لا تنسى "الطيب أحسن، اللينة تكسر المحرات، ربنا يحبب فيك خلقه".

تحملت أمى ما لا يتحمله الكثير من النساء، فعاشت مع أبى فى الستينيات والسبعينيات من القرن الماضى فى فقر ومشقة، وكان أبى ومازال يغضب بكل سهولة ونادرا ما رأيته يتحدث معها بهدوء لكنها لم تتذمر ولم تتمرد على أسلوبه معها، تحملت أمى كل المصاعب وربتنى وإخوتى ولم يكن لها أى هدف فى الحياة سوى أن ترانا جميعا فى محبة وصحه وسلام، إنها نموذج للسيدة المصرية الأصيلة.
تحملت أمى ما كان يصيبنا من إحباطات أثناء الدراسة والبحث عن عمل أنا وإخوتى، فكنا نشتكى إليها أن هناك محسوبية وواسطة فى كل شىء والمستقبل فى مصر غامض لكن طيبتها وهدوءها وسماحتها كانت تنتقل إلينا دون أن ندرى.
عندما قررت أن أنزل فى مظاهرات 25 يناير 2011 أخفيت عنها الأمر، لكنها عرفت كل شىء من زوجتى فى 28 يناير والغريب والعجيب أنها لم تمنعنى من المشاركة فى الثورة على الطغيان وأخفت خوفها على وشجعتنى ولم تقول لى كلما نزلت الميدان سوى "خلى بالك من نفسك انت عندك عيال"، لذلك أهديتها وزوجتى كتابى الأول عن الثورة "100 قصة من الميدان"، الذى صدر بعد وفاتها تمنيت لو أنها أمسكت الكتاب فى يديها، كانت أول شىء سوف تفعله أن تقبل صورتى وتدعو لى بالتوفيق.."الله يرحمك يا أمى".
كانت تسعد كلما سمعت شخصا يشيد ويثنى على شباب الثورة الذين غيروا وجه مصر، لأنها ببساطة كانت ترى أن هذه الإشادة والثناء موجهان لابنها العزيز، ماتت ونحن لم نكمل ثورتنا، ماتت بعد أن رأت وسمعت منى كم خدعنا فى كثير ممن شاركونا فى الثورة، ماتت وقد دعت على كثير ممن ظلموا ابنها وحاولوا تشويهه وهرولوا نحو السلطة.
ماتت أمى ولم تر مصر التى تستحق أن تراها هذه السيدة العظيمة التى لم تطمع فى شىء، ماتت أمى وكنت أتمنى أن تبقى معى حتى ترى انتصار الثورة من جديد على كل من ظلموا وطمعوا وخانوا عهدنا فى الميدان، ماتت وتركت دعاءها على قتلة شهداء الثورة "ربنا يحرق قلبهم زى ما حرقوا قلوب الأمهات".
ماتت أمى لكنها تركت سيرتها العطرة على لسان كل شخص عرفها وأحبها، لأنها أحبت الجميع وكلنا نموت وسوف تبقى مصر مهما أخطأ أبناؤها فى حقها، سوف تبقى مصر مهما تآمر عليها المتآمرون، سوف تبقى مصر مهما خانها الخائنون، سوف تبقى مصر لأن التاريخ والجغرافيا والعلوم والأديان تؤكد أن مصر باقية وهم زائلون، سوف تبقى مصر لتحتفظ لكل من أخلص لها ولأبنائها بسيرتهم العطرة، أوصيكم خيرا بأمهاتكم، أوصيكم خيرا بمصر.
الجريدة الرسمية