رئيس التحرير
عصام كامل

الحق في قلة الأدب !


يمكن القول ببساطة إن المجتمع المصري ليس لديه حاليا ومنذ أربع سنوات، سبقتها بدايات ومؤشرات، مخجلة في صورة جرائم نوعية، أي حاجز يحول بينه وبين الرغبة في الكشف والتعري والتبجح، ويمكن القول أيضا إن قلة الأدب صارت ظاهرة وهي موضع تقدير ومباهاة قليلي الأدب، ناقصي التربية، يلقي أنصارها التصفيق، والتشجيع، من بقية أفراد المجتمع، سكوتا أو تقليدا، أو تأييدا.


ليس افتراء على الحقيقة لو قلنا أيضا إن قلة الأدب والتجعير والتفحير والتشويح والغنج وسحب النفس عميقا إلى الداخل ثم إطلاقه بصوت عال، هو من مخلفات بعض الإعلاميين في محطات استرزاق وغسيل فضائية، وهؤلاء الشلق، وضعوا بذرة التبجح والعقيرة التي تعقر كما يعقر الكلب المسعور، فكانوا ينطلقون في افتتاحيات الهوهوة، النباح، والعواء والعويل، أو يشهرون السواطير، ويهوون بها على عنق مسكين أو مش مسكين، يصدرون عليه حكما بالإعدام الاجتماعي، ويمطرونه وأسرته بأحط الأوصاف والألفاظ.

واليوم نلحظ بالغيظ، ونحذر، من عودة قلة الأدب، وسط موجة عاتية، تتعدي بالنقمة والتنقيم، والتحريض على رئيس البلاد، بدعوي ممارسة الديمقراطية، وبالطبع، لن يفعل الرئيس شيئا حفاظا على حرية التعبير، أي حرية قلة الأدب، والهجوم، بدون سبب، لإعادة استنساخ أجواء ٢٠١٠، و٢٠١١.

قلة الأدب انتقلت من شاشات فضائية إلى بيوت الناس، وتعلمت الأسرة المصرية من مدرسة الردح الفضائية أن الصريخ والهتاف والتطجين والتلكيم واللسان الطويل، يقمع خصمك فورا، ويلقمه التراب، ويطعمه الحسرة، ويكومه أمامك جثة هامدة، تدوسها بقدميك.

نشهد الآن أن لا حوار هادئا في بيوتنا، حتى لو حاولنا في الخمس كلمات الأولى من بد الحوار، بل حتى لو اتفق العاقلان على الحفاظ على نبرة صوت مسالمة، فبعد ثوان، ستجد الإثنين يصرخان ويحاول أحدهما ركوب حنجرة الآخر.

حتى المرأة، وحتى البنت، والرجل بالطبع لا نعفيهم، كل منهم يزعق ويجعر ويصوت ويشوح بذراعيه ويصوب أصابعه، بديلا عن مطواة أو حركة آثمة، ويحول النقاش إلى معركة حياة أو موت.
أين أين السكينة والوداعة ؟!
أين الصوت العذب الرخيم ؟!
أين أين عفة اللسان ؟!
ذهبت أدراج الرياح، وصار الناس يستعذبون نطق أفظع الألفاظ في تبجح، أمام الأطفال، ولا مانع، من إطلاق لفظ وقائي من نوع لا مؤاخذة، أو معلش بقه ماهو لازم أقول، أصله يستاهل !

وللأسف فإن السباب متبوعا بلفظة لا مؤاخذة معناه أطلق لساني ولا تلمني قط، فقد قررت أن أمارس متعة الوقاحة والتعدي، ونشر البذاءة، بوصفها حقا من حقوق الإنسان في ألا يكتم ما يشعر به. تغيرنا لكن للأسوأ، ونحتاج ثورة منا علينا، لنراجع ألفاظنا ونتمسك بأخلاقنا، ونخفض أصواتنا ونتعلم الأدب من أول وجديد.
الجريدة الرسمية