رئيس التحرير
عصام كامل

يوم في الكنيسة !


كان الموعد المحدد للعزاء في كنيسة القديس كيرلس بمنطقة الكربة بمصر الجديدة هو الحادية عشرة صباحا..قبل الموعد المحدد كنا هناك..تبدو الكنيسة كتحفة معمارية لا تنفصل عن محيطها من بنايات مصر الجديدة والتي بنيت على الطراز البلجيكي..النظام سيد كل شىء..وبرغم الحزن العميق على كل الوجوه إلا أن الأجواء العامة هي أجواء زفاف الفقيد إلى السماء بالفعل..رائحة الفل بأوراقها وفروعها التي ستصاحب الفقيد تملأ المكان..هي نفسها فلسفة أوراق السعف والنخيل الخضراء التي تريح الموتي عندنا نحن المسلمين ويتجلي التطابق تقريبا في صلاة العزاء فهي تتكلم عن حياة الخلود التي انتقل إليها الفقيد بعد أن عاش الحياة العابرة في الدنيا وأنه سيحاسب وفق ما قدم في حياته إلا أن رحمة الله تنتظره في الحياة الأبدية ( الحياة الآخرة أو الخلود في الإسلام ).


القاعة ورغم مساحتها الكبيرة إلا أنها ممتلئة عن آخرها بالمعزين وأمامنا يجلس أحدهم..ممتلئ قليلا ويبدو تجاوزه للستين ولحيته البيضاء تنعكس على وجهه..لا يقف مع المصلين في الجنازة ولا مع مقدمي التعازي وهو ما يدعونا لأن نفهم أنه مسلم جاء معنا- ونصف المعزين تقريبا مسلمون- لتقديم العزاء إلا أنه وفي آخر أركان صلاة الجنازة يقف ليؤدي علامات الصليب المعروفة لنكتشف أنه مسيحي وبما يؤكد ما هو مؤكد من أنه لا اختلاف بين المسلمين والمسيحيين في مصر إلا أن هؤلاء يذهبون إلى المسجد وأولئك يذهبون للكنيسة دون أي فروق في الشكل ولا اللون ولا التقاليد كما هو موجود في طوائف أو مذاهب أو أعراق في دول أخرى !

وعند الذهاب مع الأسرة لإجراء مراسم الدفن في منطقة مصر القديمة ورغم التنسيق البديع والتناسق الكبير في مقابر الكاثوليك المصريين حتى إن المكان أقرب إلى حديقة على طراز أوربي رفيع إلا أن نظرة خاطفة تكفي لتعرف أسماء العائلات الكاثوليكية التي تركت بصمتها على حياة المصريين..فهذه مقابر أسرة صيدناوي الشهيرة وتلك مقابر أسر تقلا مؤسسي الأهرام ديوان حياة المصريين وأعرق صحف العالم وهناك قبر الفنان الكبير نجيب الريحاني وعائلته مع أسماء أخرى لعائلات تحمل أسماء مصرية خالصة كلها شهير وكلها له بصمتها في بلادنا!

وفي المساء عند تقبل العزاء في حديقة كنيسة القديس كيرلس ستسمع عبارات المواساة التي هي نفسها عند المسلمين وبين شياكة عائلات مصر الجديدة إلا أنك ستشاهد المحجبات وكبار السن من المسلمين يأتون أفواجا مع إخوانهم المسيحيين في أروع صور التماسك والمودة وفي نسيج واحد ينسف تعبيرات مشبوهة من عينة "عنصري الأمه" فلا يوجد إلا عنصر واحد يتفرق عند لقاء الله ولا غير!

رحم الله الدكتور هاني لكح وخالص العزاء لأولاده وزوجته وأسرته وعائلته وألهمهم الصبر جميعا وليحفظ ـ وسيحفظ ـ الله مصر وشعبها كما تعهد الله العظيم في كتبه السماوية بحفظها !
الجريدة الرسمية