أدركوا أنفسكم قبل فوات الأوان
وصل الإخوان إلى أقصى ما كانوا يطمحون.. كانت السلطة كلها معهم، "رئاسة الدولة والحكومة والمحافظون والمحليات..إلخ"، وكان الشعب يأمل فيهم خيرا، خاصة بعد عقود طويلة من المعاناة.. ومع ذلك فشلوا فشلا ذريعا، إذ لم يستمروا في السلطة إلا عاما واحدا فقط وثار عشرات الملايين من الشعب المصرى عليهم لما رأوا من سوء إدارتهم وعجزهم وقلة حيلتهم وعدم الوفاء بوعودهم، هذا فضلا عن غرورهم وغطرستهم وكبرهم.. كنت أظن قيادة الجماعة أذكى من ذلك، لكن، للأسف، ضاعوا وأضاعوا كل شيء؛ الجماعة، وتاريخها، والدعوة، بل إنهم أوشكوا على أن يضيعوا مصر، الشعب والوطن، لكن الله سلم..
عندما وصل الإخوان إلى السلطة، أصابتهم لوثة أفقدتهم عقولهم وتوازنهم وقدرتهم على الرؤية الصحيحة والإدراك السليم.. وعندما فقدوا السلطة، أصابتهم لوثة هستيرية، فانطلقوا يخربون ويحرقون ويدمرون، علاوة على تماهيهم مع فصائل العنف والإرهاب، بحيث صاروا جزءا منهم، لا ينفكون عنهم، بل لا يتورعون عن التنسيق والتعاون مع أعداء الوطن لإلحاق الضرر به..وتلك خيانة عظمى..
الشعب الذي كان يتعاطف معهم ويظن بهم ظنا حسنا، أصبح الآن لا يطيقهم ولا يحب أن يسمع سيرتهم..ولو أن أحدا من خارجهم خطط لكى يدمر الجماعة وينهى حاضرها ومستقبلها، ما استطاع أن يفعل ما فعلوه في أنفسهم.. يقال إن العاقل من اتعظ بغيره، وهؤلاء لا يتعظون؛ لا بغيرهم ولا بأنفسهم..وتلك خطيئتهم الكبرى..
ومن العجيب أنهم لا يزالون يثقون بأمريكا ويعولون عليها، ويتصورون أنها سوف تنتشلهم من وهدتهم وتعيدهم إلى السلطة مرة أخرى (!) يا إخوان، أليس فيكم رجل رشيد؟! لا ترهنوا مصيركم بيد فرد منكم..لقد جربتم ذلك زمنا، وهاهى النتيجة..خسارة في كل موقف، وضياع في كل ميدان..جربوا، ولو مرة واحدة، أن تأخذوا زمام أمركم بأيديكم..
في تصورى، لا يكفى أن تزيحوا قيادة الجماعة الحالية عن المشهد أو أن تواروها إلى الظل، بل يجب أن تسألوها وتحاسبوها وتحاكموها، فما فعلته من أخطاء وخطايا لا يستوجب العزل من مناصبها فقط، لكنه يستوجب الإدانة والخروج من الجماعة، بل الخروج من التاريخ..إن القيادة التي تضحى بدماء المئات من الشباب من أجل أن تعود إلى سلطة فشلت في إدارتها، لم تفقد عقلها ولا وعيها فحسب، لكنها فقدت أخلاقها وإنسانيتها.. ألا يوجد في الجماعة من لديه الشجاعة أن يسائل ويحاسب ويحاكم هذه القيادة؟!..نحن لا نطالب بالمحاكمة فقط، وإنما نطالب بمراجعة أفكار الجماعة، خاصة تلك التي ثبت خطؤها وعدم ملاءمتها لظروف الزمان والمكان..
في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضى، استطعنا أن نغير من فكر "البنا"، خاصة فيما يتعلق بالشورى، والتعددية السياسية، وترشح المرأة في المجالس النيابية، وإدانة كل ما له صلة بالعنف..وكان من المفترض أن نستكمل التغيير الذي بدأناه، لكننا، للأسف، تراخينا وتكاسلنا، حتى حل بالجماعة قيادة أوردتها موارد التهلكة..
أقول: لا يزال الأمل معقودا على الشباب، خاصة أولئك الذين يمتلكون عقلا ورشدا..نعم هم قلة، لكنهم يستطيعون أن يفعلوا الكثير، على الأقل مع قرنائهم ممن جرفهم التيار.. إن صيحة الحق، مهما كان أصحابها قلة، لها تأثيرها وفاعليتها..عليهم أن يتحركوا في مواجهة هذه القيادة الفاشلة التي تسعى في الأرض فسادا، وإلا فسوف يجرف الطوفان الجميع.. أقول لهؤلاء أدركوا أنفسكم قبل فوات الأوان.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".