رئيس التحرير
عصام كامل

المشهد الكاذب في ميدان الرماية


3 ساعات بين مرورى الأول والثانى بميدان الرماية أمس الأربعاء تبدل فيهم اعتقادى بأن هذه البلد يمكن أن ينصلح حالها، إلى القناعة الراسخة بأن مافيش فايدة، وما توسمت في المرور الأول أن يكون إنجازا مذهلا لوجه الله والوطن، اكتشفت في الثانى أنه عمل خبيث لوجه رئيس الوزراء.


الحكاية باختصار أن الميدان صباح أمس تحقق فيه ما يشبه المعجزة، رأيت بعينى سيولة مرورية لم أرها من قبل، سيارات أجرة الفيوم التي كانت تملأه وتتخذه موقفا لها وتغلقه وتخنقه في الاتجاهين اختفت تماما، الميدان تم إخلاؤه من البشر، ضباط وقيادات ورتب شرطية كبيرة تتمركز وتصطف كل عشرة أمتار على جانبى الطريق لمنع وقوف السيارات، اللون الفوسفورى لزى رجال المرور يزين المكان، اختفى الباعة الجائلون الذين كانوا يصطفون بعرباتهم بالعرض ليعطلون الطريق، التكاتك التي كانت كالصراصير في نهاية شارع فيصل اختفت تماما، الشرطة مارست دورها في مصادرة المخالف منها واعتقال سائقيها من البلطجية، سيارات الشرطة كانت تمنع وقوف السيارات أمام منطقة محال شهيرة عند منطقة مشعل بنهاية شارع الهرم لتتحقق سيولة مرورية في المكان لم أرها من قبل، عمال البلدية يكنسون الشوارع ويرفعون المخلفات بهمة ونشاط غير مسبوقين.

بعد أن رأيت كل هذا، قلت في نفسى، أخيرا ستنتهى معاناتنا وسيتم الاستجابة لمطالبنا وتصحيح الأوضاع الخاطئة، وإنهاء الفوضى المتناهية بميدان الرماية ونقل موقف الفيوم إلى طريق الواحات.

راودنى شعور بالأمل في عودة هيبة الدولة الرخوة، وانتهاء حالة البلطجة والفوضى المرورية في الشوارع والطرق، واستشعرت أن إرادة الدولة في فرض القانون قادمة وقائمة حتى وإن تأخرت كثيرا.

فقد بح صوتنا من كثرة المطالبة بنقل موقف الفيوم، ومن كثرة المطالبة بأن يتوقف "تقاعس" شرطة المرور في الغياب التام عن شارعى الهرم وفيصل، وتعود لممارسة دورها وواجبها في تحقيق وفرض السيولة المرورية بعد أن سقط الشارعان في قبضة سائقى الميكروباص، بح صوتنا من كثرة المطالبة بتنظيف ورصف طريق بوابات الهضبة – الرماية من الباعة الجائلين الذين يعطلون المرور، واعتقدت أن حال هذه البلد قد ينصلح، وأن النوايا في الإصلاح تجسدت فيما رأيته من تغيير إلى الأفضل، وشعرت بنوايا الشرطة الحسنة في العودة لتطبيق القانون على المخالفين وتنظيف البلد من الفوضوية والبلطجية والمجرمين الذين يروعون الناس في الشوارع.

أثناء عودتى من مشوارى بعد 3 ساعات أخذت أبحث في ميدان الرماية عن ضابط لأوجه له الشكر على هذا المجهود الرائع لشرطة المرور في فرض الأمن والنظام والقانون بإصرار وعزيمة غير مسبوقين.

غير أننى في إشارة الميدان وقفت وسألت العسكري الغلبان " هما نقلوا موقف الفيوم يادفعة"، فأجاب "لأ يافندم ماإتنقلش"، سألته طب هي إيه الحكاية؟" فقال لى "فيه زيارة للمتحف"، وعرفت أن رئيس الوزراء يزور المتحف المصرى الكبير الذي يقع على مسافة أمتار من الميدان".

وبناء عليه أقول لرئيس الوزراء: كل ما رأيته في ميدان الرماية أمس من سيولة مرورية ونظافة وانتشار مكثف لرجال شرطة المرور وتخطيط الشوارع وغياب البلطجية والباعة الجائلين وإلغاء موقف الميكروباص ليس سوى كذب في كذب، وأن المشهد ليس أكثر من تمثيلية خادعة وصورة طبق الأصل لما كان يحدث أيام المخلوع الفاسد الظالم مبارك، ما لبث أن عاد بعدها كل شىء إلى سيرته الأولى، إلى حالة الفوضى التي سبقت زيارتك للمتحف، وأؤكد لك أن حال هذا البلد لن ينصلح طالما أن هناك من لا يؤدون واجبهم الذي يتقاضون عليه أجرا من الدولة، إلا في الزيارات الكبرى، وما يفترض أن يكون عملا يوميا تحول إلى عمل موسمى.

أثناء انتظارى في إشارة الرماية أخذ أحد المستمعين للحوار يردد نداء سائقى الميكروباص في الميدان وكأنه يجسد بسخرية كوميدية مشهد ما بعد نهاية التمثيلية الكاذبة "واحد فيوم.. واحد فيوم ".. نظرت له وقلت له "العوض على الله في البلد، مافيش فايدة ".
الجريدة الرسمية