ثورة "دغيدي" !
ستسألنى، ولماذا قررت الكتابة في هذا الموضوع؟ سأُجيبك بلا اقتناع كامل بأننى قررت أن أداويها بالتي كانت هي الداءُ بصراحة!
كُنت قد استيقظت في المساء كعادتى، آى نعم، وبدون الدخول في تفاصيل قصة حياتى التي لا تهم أحدًا، فالعبد لله ينام أحيانًا بالنهار ويصحو ليلًا، المُهم صحيت لأجد (ريهام سعيد) شغالة كالعادة في موضوع شاذ من إياهم، يا فتَّاح يا عليم، اصطبحنا وبطارية الريموت راكبها عفريت، قولت الصبر!
على الشاشة فتاتان في عُمر الزهور، أو في حجم شجر الزنزلخت مش فاكر، وقد تم التمويه بالسواد أو بالحَمَار مش فاكر على وجهيهما، وهُما تُدليان باعترافات مُفرطة حول كونهما عاشقتين لبعضهما البعض، تُمارسا الحُب فيما بينهما، مُستغنيتان عن الدُنيا وما فيها بنسائها ورجالتها على حدٍ سواء، ومُتمسكتان بالعلاقة فيما بينهما، طيب وبعدين؟!
ما جدوى المزيد من التفاصيل؟ ما الجديد في أسئلة كُلَّها بمعنى واحد من عيِّنة: إنتى مش ندمانة؟ مش حابة تبقى أم؟ مش ناوية تجرَّبى الرجالة؟ هاتخلى بنتِك تعمل زيِّك؟ فين أهلك؟ كُلها أسئلة لا فائدة لها، ولا إجابات شافية مُختلفة عنها، خاصةً وقد أجابتا بأنهما غير راغبتين أصلًا في الزواج، ولا في أن تكون إحداهما أمًا، فبالذمة إزاى هاتخلى بنتها تعمل كده وهى أصلًا مش قابلة الرجالة ومش ناوية تكون أم؟!
ديلمة سخيفة في إعلام عجيب، يلهث خلف الشذوذ الفكرى والجنسى والاجتماعى، المُهم أي شذوذ من أي نوع، أومال نختلف عن الآخرين إزاى؟ المُهم إن الكلام دخل في سكة حرام وحلال، وأكدت الفتاتان بثقة تامة أن ما يجرى بينهما ليس حرامًا، فالحرام هو الزنا على حد قولهما، بينما رفضت (ريهام) بنصاحة شديدة وحياد تحكيمى كروى رفيع المستوى بيفكَّرنا بأداء (سمير عثمان) و(جهاد جريشة) أن تدخُل في سكة الفتوى، مؤكدة أنها لا يجوز لها أن تفتى، ومش عارفة إذا كان حرام واللا حلال، صلاة النبى أحسن، المُهم أن الخلاف الحقيقى بين الطرفين أصبح هو محاولة تسمية العلاقة؛ فـ(ريهام) عاوزة تسميها شذوذ، والعاشقتان عاوزين يسموها Lesbians زى أمريكا على حد قولهما، وربما يكون ذلك النزاع سببًا في مد أمد الحلقة، وصنع عشرة عشرين جُزء كمان منها، والبحر يحب الزيادة!
روحت للإنترنت، لقيت تصريح جديد من المُخرجة (إيناس الدغيدى) تقبل فيه بجواز إقامة علاقة جنسية قبل الزواج بين أي اتنين (مش شذوذ ولا Lesbians المرَّة دى)، طيب إيه فايدة الزواج أصلًا لو كده؟ يعنى الواحد ما ينوبه غير شرا اللحمة والخضار ورمى الزبالة، ودفع الإيجار والميَّة والنور؟ والنبى لو كده كانت كُل الناس هاصت!
المُهم الناس هاصت فعلًا، وكُله طالع يهاجم (الدغيدى) كأن يعنى الكلام جديد عليها، أو كأنها مرجعية دينية، من حقها علينا إن الناس تصدَّقها، يا عزيزى (برهامى) ويا أخويا (الجندى) ويا أستاذى (الوحش) ولكُل واحد هايص أو هايج على الهجوم والرد والظهور الإعلامي، وكتاب الله ردودكم هي اللى عملت للموضوع قيمة، لو كُل واحد انشغل في حاجة تانية، مع إنى مش عارف إنتوا أصلًا بتنشغلوا بإيه، لمَر التصريح الدغيداوى مرَّ الكرام، لكن إزاى، أومال نطلع إمتى ونظهر فين؟!
وهوب ثورة دغيدى على طول، وعيش حُرية سيبولى النطة دية، وننادى بحق الشرفا، ويا نموت زيهم يا نجيب زيهم برضو لا مؤاخذة، كأن صاحبة التصريح يعنى كانت شيخ طريقة، واللا بطل من أبطال توزيع الفول النابت في مولد السيدة، الحكاية باختصار إن الكُل بيضحك على الكُل، لصالح الرواج الإعلامي بصراحة!
طيب أين الحل؟ حل إيه؟ وأين المُشكلة أصلًا؟ المُجتمع لسَّه فيه الكثير من الأمور الطيبة، والناس الطيبة، والنماذج الطيبة، لكن الإعلام عاوز دايمًا فرقعة، عاوز كلام في الجنس، فهو القادر على لفت الانتباه، وجذب الرد والشد، وتسخين الأجواء وأمور أخرى، وأول ما تيجى سيرته تلاقى الكُل ناطط يشارك بكلمة أو ملاحظة أو رفض أو رد أو موافقة أو شتيمة، وستسألنى مُجددًا: ليه كتبت في الموضوع ده؟ أقول لك بالإضافة للإجابة بعاليه، إن يمكن حَد يسمعنا، أو يفهم الفولة، ويقرر يغيَّر المسار شويَّه، ويتكلِّم أو يطرح أمورا أكثر قيمة، أو يكُف عن التعليق على فسافس وتفاهات، فيجعلها كالجبال الرواسى جاثمة فوق صدر الناس في مُجتمع واقع في مهب الريح رغم حسناته التي تختفى عمدًا أو جهلًا خلف سيئاته، وفى النهاية لن أعاملك بالمثل وأسألك: لماذا قررت أنت القراءة في هذا الموضوع؟!