شريك الحياة
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه، فطره الله على التآلف والمودة، وحين خلق الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام، لم يدعه وحيدا، ولكن خلق له من نفسه أمنا حواء لتكون هذه هي الأسرة الإنسانية الأولى، خلق الله نفسا وخلق منها زوجها لتتصل سلسلة البشر ولتتواصل الإنسانية، ثم خلقنا الله شعوبا وقبائل لنتعارف، لم تنشأ الشعوب والأمم إلا من بذرة المجتمع الأولى، من الأسرة، لذلك سن الله الزواج بين الذكر والأنثى، وجعل الخطبة هي مقدمة الزواج، فمن خلالها يتم التعارف ومن التعارف يكون التآلف، ومن التآلف يكون الزواج والمودة.
والخِطبة هي طلب الزواج، وهي اتفاق مبدئي بين الخطيبين، ويعرفها بعض العلماء بأنها وعد بالزواج إن حدث اتفاق نفسي وشعوري واجتماعي بين الخطيبين، وتعتبر الخطبة أولى خطوات الزواج، ومنها وبها يتحدد مستقبل تلك الأسرة، ولأن الزواج من الأمور المهمة في حياة الإنسان فقد نظم الشارع الحكيم ـ سبحانه ـ مقدماته، واختص الخطبة ببعض الأحكام الشرعية التي تضبط تلك الفترة السابقة على الزواج وتضبط سلوك وأفعال الخطيبين سواء في ذلك الرجل أو المرأة.
ورغم أن الأعراف المجتمعية تتدخل كثيرا في رسم إطار فترة الخطبة خاصة في المجتمعات المغلقة، إلا أن تطور المعارف في السنوات الأخيرة وسهولة تناقلها من مجتمع لآخر، وتعدد مصادر المعرفة، وتأثير الإعلام، جعل معظم المجتمعات تتقارب إلى حد كبير في خصوص العرف الذي ينظم فترة الخطبة.
ورغم أن علم النفس الاجتماعي لا يزال تأثيره محدودا في توجيه الخطيبين مكتفيا في معظم الأحوال ـ خصوصا في المجتمعات الضيقة ـ بالدراسات البحثية دون النزول إلى أرض الواقع من خلال الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، إلا أن الإرشاد الأسري أصبح أكثر تأثيرا وفاعلية في السنوات الماضية وأصبح طريقا عمليا لتوعية الأسرة وحل مشكلاتها، وقد ظهرت في حياتنا بعض المؤسسات التي تقدم خدمات عديدة للمقبلين على الزواج وتوجيههم وإرشادهم إلى كيفية فهم مرحلة الخطوبة وطبيعتها واستثمارها من أجل أن تصبح فترة إيجابية يستطيع الطرفان من خلالها وضع أسس الحياة الزوجية المستقبلية وتجنب الخلافات، ما يحقق الزواج السعيد، والأسرة السعيدة، ولأهمية الخطبة وتأثيرها الكبير في نجاح أسرة المستقبل من أزواج وأبناء، نتحدث اليوم عن بعض أساسيات الاختيار.
فالمستقر عليه وفقا للأعراف والعادات والفهم الصحيح أن طريقة الاختيار ينبغي أن يسبقها بحث وتنقيب فلابد من تكوين فكرة عامة عن الشخص الذي ستختاره شريكًا لحياتك رفيقا لك في العمر، ولا بد من التأكد قبل بداية الخطبة من أنه أو أنها الشخصية المناسبة، لأن عدم الاختيار السليم من البداية قد تنتج عنه مشكلات ويسبب معاناة لصاحبه.
ولأن الإنسان لا ينفصل عن وسطه ومجتمعه فإنه لا بد من البحث عن الطرف الآخر من وسط اجتماعي يشابه الوسط الاجتماعي الذي ينتمي إليه الطرف الأول، ولا بد في هذا السياق من النظر إلى أسرة الخطيب أو الخطيبة بشكل جيد إذ تلعب أسرة المنشأ دورًا مهمًا في تشكيل شخصية شريك الحياة، فالشخص الذي ينتمي إلى طبقة اجتماعية معينة لها عاداتها وطبائعها ولغتها وقيمها يختلف حتما عن الشخص الذي ينتمي إلى طبقة أخرى، فطبقة التجار مثلا لها عاداتها التي تختلف عن طبقة الموظفين والتكنوقراط، وطبقة الحرفيين تختلف عن الطبقتين الأخريين، كما أن الشخص الذي عاش في جو أسري هادئ ودافئ في حضن أبوين متحابين متآلفين ومع إخوة وأخوات يتعلم معهم وبهم معنى العيش مع آخرين نتوقع نجاحه في الحياة الزوجية أكثر من غيره لأن نموذج الأسرة المتحابة يكون منطبعا في وجدانه.