رئيس التحرير
عصام كامل

المثقفون.. بين «نجيب محفوظ» و«أحمد مراد»


عول الكثيرون على المثقفين لحمل راية التوعية، والقضاء على الفكر الظلامي، الذي انتشر في سنة حكم الإخوان، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، من خلال نشر الفكر والإبداع، وإعلاء قيمة الفن الراقي، ولم يتوقع أحد أن يغيب المثقفون عن المشهد تماما، كما نراه اليوم.


والحقيقة أن المثقفين لم ينجحوا في مكافحة الفكر الظلامي، وتوعية الناس، وبات غيابهم عن المشهد هو الحقيقة التي يدركها الجميع، ولعل سبب ذلك هو الثقة التي فقدها المثقف في بلادنا، فلم يعد المواطن يثق في شخص يدعي أنه وحده يمتلك الفكر، ودونه جهلاء عميان، لم يثقوا في شخص يدعي أنه ضمير الأمة وصوت العقل والمفكر الأوحد لها، وهو يعيش في برجه العاجي غير مبالٍ بهموم البسطاء والمهمشين.

والعنوان الذي تصدر التقرير ليس مقارنة بين شخصين بالتحديد، وإنما بين جيلين، فنجيب محفوظ يمثل جيل الستينات والسبعينات، ذلك الجيل الذي كان أكثر غزارة في الإنتاج، حصد جوائز عالمية، كان أكثر تواجدا بين الناس، وكانت الحارة ملهمة محفوظ وطريقه إلى نوبل، وتبلورت معظم شخوص رواياته من على المقاهي، وصنف أدب محفوظ باعتباره أدبا واقعيا.

آمن نجيب محفوظ هو وأبناء جيله أن الناس هما رأس مال الكاتب، منهم يستلهم حكاياته وشخوص رواياته، لذا كانوا حرصين على لقائهم ومعايشتهم، وحرصوا على التواصل معهم والإصغاء لمشكلاتهم، عقدوا الندوات والصالونات الثقافية، التي أتت ثمارها، وأحدثت إشعاع ثقافي.

جيل الستينيات أثرى المشهد الثقافي المصري على مستويات عدة، وبرزت في كتاباته سمات ودلالات وقيم جمالية وفنية جديدة ولافتة، بخاصة في الرواية والقصة القصيرة والمسرح، وظل هذا العطاء شاهدا على إنجاز الكتاب الرواد في القصة والرواية أمثال نجيب محفوظ، ويوسف إدريس، ويحيى حقي وغيرهم.

أما اليوم فلا جديد في الوسط الثقافي المصري، يمكن مناقشته أو انتقاده، سوي بعض العبارات الإنشائية التي نسمعها كثيرا، مشبعه بنظرة استعلاء من المثقف تجاه الجمهور العادي، يري أنه يمتلك الحقيقة، واحتكر الفكر على نفسه، وكل من حوله مجموعة من العشوائيين اللذين لا قيمة لهم بدونه.

الغريب في الأمر أن المنتج الأدبي هذه الأيام لا يقاس بجيل الستينات، ورغم ذلك تجد مثقفي هذه الأيام يتعالون على قرائهم، فيفرضون على أنفسهم سياج يصعب اختراقه، ويطلون علينا بين الحين والأخر عبر تدوينات مقتضبه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، هواتفهم مغلقة، فالسؤال متي يغيرون الأفكار الظلامية؟، متي يتواصلون مع الناس لتوعيتهم؟، أم أنهم يبحثون عن الشهرة فقط؟! 

الجريدة الرسمية