عمر بن عبدالعزيز «المجدد الأول»
لم يحظ خليفة من خلفاء المسلمين بما حظى به «عمر بن عبدالعزيز» الذي تميز عصره بالعدل والرخاء الاقتصادي، حتى إن بيت مال المسلمين لم يجد من يستحق أموال الزكاة ليدفعها له بعد تزويج الشباب وتسديد الديون عن الفقراء، وقد تبنى «عمر بن عبدالعزيز» منهجًا إصلاحيًا في الحكم فنجح في إدارة البلاد وأسس لنموذج حكم عصري يراعي تطورات الزمن ولا يصطدم بالثوابت الدينية.
يعتبر خامس الخلفاء الراشدين هو المجدد الأول في الإسلام، وتميزت خلافته بعدد من المميزات، منها: العدلُ والمساواة، وردُّ المظالم التي كان أسلافه من بنى أمية قد ارتكبوها، وعزلُ جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم، كما أعاد العمل بالشورى، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين، كما اهتم بالعلوم الشرعية، وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف والتجديد والإصلاح في أمور الدين الإسلامي، وذلك وفق أسس ومنهج اتبعه، ليصبح بهذا المنهج المجدد الأول في الإسلام.
وفى كتابه «الخليفة الراشد والمصلح الكبير عمر بن عبدالعزيز ومعالم التجديد والإصلاح الراشدي على منهاج النبوة» ألقى الدكتور على محمد الصلابي الضوء على أهم ما ميز خامس الخلفاء الراشدين وسر تلقيبه بـ «المجدد الأول» وجعل من منهجه التجديدي الإصلاحي، منارة للعاملين على مجد الإسلام، ومن أهم هذه الصفات التي تميز بها شدة خوفه من الله تعالى، زهده في الدنيا، اليقين التام بالوجود في الدنيا كالغرباء، التواضع الشديد، الورع، العفو، الصبر، الحزم، العدل، تضرعه ودعائه واستجابة الله لدعائه».
كما سلط الكاتب في كتابه الضوء أيضًا على الصفات التي اكتسبها «عمر بن عبدالعزيز» لتجعله من المجددين الأوائل في الإسلام، وتجعل منهجه التجديدي الإصلاحي منارة للعاملين على مجد الإسلام، فسلط الضوء أيضًا على أهم معالم التجديد عند الخليفة «عمر بن عبدالعزيز» في منهجه التجديدي الإصلاحي.
يرى المتتبع لأقوال العلماء والمؤرخين والمهتمين بدراسة الحركة التجديدية، إجماعًا تامًا على الخليفة «عمر بن عبد العزيز» في أنه المجدد الأول في الإسلام، وكان أول من أطلق عليه ذلك الإمام محمد بن شهاب الزهري، ثم تبعه على ذلك الإمام أحمد بن حنبل فقال: يروى في الحديث «إن الله يبعث على رأس كل مائة عام من يصحح لهذه الأمة أمر دينها، فنظرنا في المائة الأولى فإذا هو «عمر بن عبد العزيز».
المنهج الإصلاحي لـ «عمر بن عبدالعزيز» يتمثل في العديد من الآراء التي اتخدها في أمور حياته الاجتماعية والاقتصادية والدينية ومنها:
* الشورى: قام «عمر بن عبد العزيز» في أول لقاء له مع الناس، عقب توليه الخلافة، التي أسندت إليه من قبل الخليفة «سليمان بن عبدالملك» حمد الله وأثنى عليه وقال «يا أيها الناس إنى قد ابتليت بهذا الأمر من غير رأى منى، ولا طلبة له، ولا مشورة من المسلمين، وإنى قد خلعت ما في أعناقكم من بيعتى فاختاروا لأنفسكم، فصاح الناس صيحة واحدة «قد اخترناك يا أمير المؤمنين، ورضينا بك، وبهذا يكون عمر قد قام بأول عمل تجديدي، حيث أعفى الناس من الملك العضوض، ولم يجبرهم على القبول بمن لم يختاروه، بل رد الأمر إليهم وجعله شورى بينهم.
*لم تكن سياسة عمر بن عبد العزيز المالية ارتجالية، بل وضع لها أسسًا وأركانًا سار عليها ومنها:
- إعادة توزيع الدخل والثروة بشكل عادل.
- تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي.
واتخذ «عمر بن عبد العزيز» لتحقيق أهدافه الاقتصادية عدة وسائل منها:
- توفير المناخ المناسب للتنمية، وذلك برد الحقوق لأصحابها، وفتح الحرية الاقتصادية وفق ضوابط الشريعة.
- اتباع سياسة زراعية جديدة، واتباع خطوات ترمى إلى زيادة الإنتاج الزارعى للأمة ومن هذه الخطوات:
- منع بيع الأراضى الخارجية.
- العناية بالمزارعين وتخفيف الضرائب عنهم.
- اتخذ سياسة الإصلاح والإعمار.
- عمل على توفير مشاريع البنية التحتية.
وكانت له سياسة حكيمة في الإنفاق من معالمها:
- الانفاق على الرعاية الاجتماعية، كالإنفاق على الفقراء والمساكين والغارمين وفك الأسرى.
- ترشيد الإنفاق في مصالح الدولة والبعد عن الإسراف والتبذير والشح والتقتير، ومن الخطوات التي اتخذها في مجال ترشيد الإنفاق في مصالح الدولة:
- قطع الامتيازات الخاصة بالخليفة وبأمراء الأمويين.
وأدت سيرة عمر وسياسته، إلى استقرار الأوضاع الداخلية وتوقف الحروب والفتن، ولما بلغت سيرته إلى الخوارج اجتمعوا وقالوا: ما ينبغى لنا أن نقاتل هذا الرجل، لقد أسهم في إيقاف الحروب والفتن وإيجاد مناخ عام من الراحة والطمأنينة والاستقرار، وأسهم في النمو الاقتصادى للدولة وتحسنت أوضاع الفقراء بفضل الله ثم بسياسة عمر الرشيدة.
كما قسم في فقراء أهل البصرة ثلاثة دراهم لكل إنسان، وطلب من عماله أن يجهزوا من أراد أداء فريضة الحج، وقد عز في زمن عمر وجود من يقبل الزكاة، بقول عمر بن أسيد «والله ما مات عمر بن عبد العزيز حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون، فما يبرح يرجع بماله كله قد أغنى عمر الناس».
ولا تزال خلافة عمر بن عبد العزيز حجة تاريخية في كيفية إدارة النظام الاقتصادى الجديد الذي أدخله في منهجه.
العدل في عهد «عمر بن عبدالعزيز»
ضرب على النقود عبارة «أمر الله بالوفاء والعدل، وطلب ألا يقام على أحد حد إلا بعد علمه، وكتب لعامله «الجراح بن عبد الله الحكمي» أمير خراسان: «يا ابن جراح» لا تضر بمؤمنًا ولا معاهدًا سوطا إلا في حق، واحذر القصاص، فإنك صائر إلى من يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور، وتقرأ كتابًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها.
كما أنصف أهل الذمة وأمر بألا يعتدى عليهم أو على معابدهم، وأطلق للناس حرية التجارة في البر والبحر، وقد تبرأ من المظالم التي كان يرتكبها بنو أمية، وتبرأ من الحجاج وأفعاله وأنكر على عماله الاستنان بسنته.
«الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر»
أخذت الخلافة تتراجع عن الهدف الذي قامت من أجله وهى حراسة الدين، فنهض عمر بهذا المبدأ ورفع لواءه وأعلى شأنه وجعله المهيمن، وما حقق عمر من أعمال وإنجازات إلا انطلاقًا من خوفه الشديد من الله، وطلبه فيما فعله مرضاته، وقد ساعده على ذلك أنه كان من أجل العلماء التابعين وأئمة الاجتهاد. حتى قال عنه «عمر بن ميمون»: كان العلماء مع عمر بن عبد العزيز تلامذة، وكان لسلامة دينه وصدق عقيدته الأثر البالغ في تجديده وإصلاحاته، فقد حارب الأهواء والبدع، وشدد النكير على أهلها، وقد نقل عنه الإمام الأوزاعى قوله: إذا رأيت قومًا يتناجون في دينهم بشيء دون العامة، فاعلم أنهم على تأسيس ضلالة، وكان يرى أنه لا قيمة لحياته لولا سنة يحييها، أو بدعة يميتها، وقد اهتم اهتمامًا شديدًا بديانة الناس وأخلاقهم. حيث ذكر الطبرى في تاريخه مقارنًا عهد عمر بعهود من سبقه من الحكام السابقين: كان الوليد صاحب بناء واتخذ المصانع والضياع وكان الناس يلتقون في زمانه، فكان يسأل بعضهم بعضًا عن البناء والمصانع، فولى سليمان فكان صاحب نكاح وطعام، فكان الناس يسأل بعضهم عن التزويج والجواري، فلما ولى «عمر بن عبد العزيز» كانوا يلتقون فيقول الرجل للرجل: ما وراءك الليلة؟ وكم تحفظ من القرآن؟ ومتى تختم، ومتى ختمت، وما تصوم من الشهر.
لم يكتف عمر بإقامة الدين داخل دولته، بل وجه عنايته إلى غير المسلمين، ودعاهم إلى الدخول في الإسلام، وراسل ملوك الهند وملوك ما وراء النهر، ووعدهم بأن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، فأسلم الكثير منهم.
والسؤال: لماذا لا يقرأ الرئيس عبدالفتاح السيسي سيرة عمربن عبدالعزيز في التجديد، خاصة أنه دائما مهموم بهذا الأمر.