رئيس التحرير
عصام كامل

طريق الآلام والذبح


يا كلمتى لفى ولفى الدنيا طولها وعرضها
وفتحى عيون البشر للى حصل على أرضها
على أرضها طبع المسيح قدمه
على أرضها نزف المسيح ألمه
في القدس في طريق الآلام وفى الخليل رنت تراتيل الكنايس

في الخلا صبح الوجود انجيل


هذه أبيات من أغنية "المسيح" التي غناها عبد الحليم حافظ، سنة 1967 في قاعة البرت هول في لندن، أمام جمهور يزيد عن أكثر من 8 آلاف متفرج، وكانت رسالة "تحذير" جسدها العمالقة الثلاثة "عبد الحليم حافظ" و"بليغ حمدى" وكاتب هذه الكلمات، والذي رحل عن دنيانا، منذ أيام قليلة، الشاعر الكبير، "عبد الرحمن الأبنودى" للفت أنظار العالم، للاحتلال الإسرائيلى لمدينة القدس، أو " أورشليم " كما ذكرت في الإنجيل المقدس، مذكرًا إياهم بخيانة اليهود للسيد المسيح، ورفضهم رسالة المحبة والسلام التي أتى بها للبشرية كلها، وتعذيبهم له ثم صلبه، على خشبة الصليب.
ويبدو أن الدماء التي نزفها السيد المسيح، طوال طريق الآلام، بداية من دار" الولاية" حيث حوكم، حتى جبل "الجلجثة" موضع الصلب، لم تجف بعد ولازالت تسيل إلى الآن، ينزفها كل يوم أتباعه، ومريدوه في كل مكان، على مختلف الأزمنة والعصور، يدفعونها إلى الآن عن طيب خاطر، ضريبة محبة وسلام، وإيمان برسالته السامية للعالم أجمع.
فبعد الفيديو الصادم، الذي بثته الجماعة الإرهابية، المعروفة باسم "داعش" لمناظر ذبح مجموعة من المصريين، على أحد شواطئ ليبيا، ونحر رءوسهم، ووضعها على صدورهم، في منظر يشيب له الولدان، فاجأتنا بفيديو بنفس طريقة القتل الدموية، ونحر رءوس مجموعة من مسيحيى إثيوبيا في ليبيا، وعلى نفس شاطئ البحر، كأنها تصر على إشراكه والزج به، في مذبحة هو برىء منها، وتغيير هويته الطبيعية، من البحر الأبيض الرائق، إلى البحر الثائر الدموى، الذي يفور بدماء المسيحيين من كل مكان، إلى جانب قتل مجوعة أخرى، رميًا بالرصاص في صحراء فزان.
والذي لاتعلمه داعش، أن المسيحيين الذين تذبحهم، وتنحر رءوسهم، لا يخافون ولا يهابون الموت، ثابتون على إيمانهم، برسالة السيد المسيح، الذي وعدهم بالفرح السماوى، الذي أُعد لهم نتيجة ثباتهم في الإيمان، كما هو مكتوب "ما لم ترعين ولم تسمع أذن ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه" ( كورنثوس1- 2:9)
وظاهرة قطع رءوس كل من يتبع أو يبشر برسالة السيد المسيح، ليست وليدة تنظيم داعش الإرهابى، بل هي موجودة من وقت وجود السيد المسيح على الأرض، وليست فقط بسبب شذوذ الفكر والعقيدة، ولكن أيضا بسبب الإنحلال الأخلاقى، فمثلًا القديس يوحنا المعمدان، كان يجول في البرية، ليبشر بمجىء السيد المسيح، وليمهد له الطريق، وكان يعمد الناس في نهر الأردن، قبل بدء السيد المسيح لرسالته السماوية، وهو الذي عمد السيد المسيح في نهر الأردن وقال عن مجيئه:
"أنا أعمدكم بماء للتوبة، لكن الذي يأتى بعدى هو أقوى منى، الذي لست أهلًا أن أحمل حذاءه، هو سيعمدكم بالروح القدس ونار" (متى 3: 11-12) أقول إن القديس يوحنا المعمدان قد قُطِعت رأسه، على يد هيرودس الملك، الذي كان يكرهه ويخشاه، بسبب تعاليمه، وتبشيره بمجىء السيد المسيح، وقوله إنه لا يحل له، أن يتزوج بهيروديا امرأة أخيه، ولكنه كان يخشى غضب الناس إن قتله، لأن يوحنا عندهم كان مثل نبى، وحدث أن رقصت ابنة هيروديا في عيد ميلاد هيرودس، فأعجبته وسُر بها ووعد أن يعطيها أي شىء تطلبه، حتى لو كان نصف مملكته، فأوحت لها أمها بطلب رأس يوحنا المعمدان، فأمر هيرودس بقطع رأسه وقدمها هدية لابنة هيروديا على طبق، فكانت رأس القديس العظيم، ثمنًا وهدية لرقصة جعلت من صاحبتها أشهر راقصة في التاريخ.

وقد انتشرت ظاهرة تعذيب وقتل المسيحين، وقطع رؤؤسهم، وسفك دمائهم بعد ذلك، في عصور وأزمنة مختلفة، بلغت ذروتها في عصر أباطرة الرومان، مثل" أريوس " ودقلديانوس" الوثنيين الذين كانوا يقطعان أجسادهم، بألات التعذيب الوحشية، أو يحرقون أجسادهم بالنار، أو يرمونهم أحياء للوحوش الضارية، وهم في كل هذا ثابتين على إيمانهم، لا يهتزون، فاتحين للموت صدورهم، ومن هؤلاء القديسيين الأبرار، على سبيل المثال القديس" مارجرجس" الذي لُقِب بأمير الشهداء، والذي عُذِب لمدة سبع سنوات، ورفض التنازل عن إيمانه، حتى استشهد وقُطٍعت رأسه، وسيرته معروفة للمصريين جميعًا، مسيحيين ومسلمين، وتحل ذكرى استشهاده يوم 1 مايو من كل عام، ويقام له مولد سنوى، في شهر أغسطس، بقرية " ميت دمسيس" مركز" أجا" محافظة الدقهلية " والذي يستعد له كل أهل القرية، مسلميها قبل مسيحييها، حيث يفتح المسلمون أبواب بيوتهم، لإخوتهم الأقباط الزائرين للقرية، فترة المولد ضاربين بذلك خير مثال، للتآخى والوحدة الوطنية.
فإذا كانت داعش الإرهابية، تعتقد إنها تسفك دماء المسحيين، على إختلاف جنسياتهم، من أجل إخراجهم عن إيمانهم أو عقيدتهم، أو لإجبارهم على دفع الجزية، باسم الإسلام فالإسلام برىء منهم، ومن جرائمهم الوحشية، التي لايقرها أي دين سماوى، بل هي مجرد سيناريوهات همجية، وثنية، من تأليفهم وإخراجهم، لإرضاء نفوسهم المريضة وإشباع لغرائزهم الشاذة.
والدليل على هذا، حرقهم للطيار الأردنى المسلم السُنى، معاذ الكساسبة وقتل غيره من المسلمين الأبرياء. وفى النهاية لا يسعنى إلا الترحم، على كل هؤلاء الشهداء الأبرار سواء كانوا مسيحييون، أومسلمون، وأرجو من الله، أن يتقبل ارواحهم الطاهرة البريئة في فردوس النعيم، وأن يشفعوا لنا جميعًا أمام العرش الإلهى.

وأنت ايها الشاعر الراحل الكبير، نعم لقد فارقتنا بجسدك، ولكنك ستبقى وكلماتك عن القدس، وعن المسيح، الذي طبع قدمه على أرضها، حية في وجداننا، كما تمنيت يا "خال" تلف الدنيا بطولها، وعرضها، فالكلمة لا تموت، خاصة إذا كانت كلمة حق، في وجه باطل، وسيظل طريق الآلام الذي مشاه السيد المسيح، وتاج الشوك على جبينه، وفوق كتفه الصليب، هو طريق الحق، والحياة، لكل اتباعه، من المسيحيين في كل أنحاء العالم، والذين استحقوا أن يموتوا، وأن يذبحوا، وتراق دماؤهم، من أجل اسمه.





الجريدة الرسمية