ومن الشوق رسول بيننا
"ومن الشوق رسول بيننا" أتمايل يمينًا ويسارًا كلما شَدَت "الست" بهذا الشطر من البيت، أما فى غيره فإننى أتمايل يسارًا ويمينًا، ولا أعرف السبب .. المهم أننى وجدت نفسى أكثر "تمايلًا" هذه الأيام وأنا أردد مع نفسى "ومن الشوق رسول بيننا"، وربما تكون دفقة شعورية قد ألمت بى باعتبار الشوق مرضًا، وللمرض عَرَضٌ، والعَرَض هو التمايل الشديد فى حالتى.
وأعتقد - وبعض اعتقادى يتعدى مرحلة الشك إلى ما هو أبعد من ذلك- أننى ضعيف أمام هذا الشطر من هذا البيت الشعرى المؤثر، غير أنى لا أعرف حتى تاريخه لماذا اشتد بى الولع والوله والشوق إلى حدود فاقت قدراتى على الاحتمال، وأصبحت أميل أكثر فأكثر، حتى أصبحت أقرب حين لحظة الميل إلى النوم على جانبى منه إلى الميل.
قلبت فى دفاترى لعلى تذكرت ماضيًا سحيقًا، أو أنى سقطت فى لحظة عاطفية تاريخية لم أربحها، وأصبحت غير قادر على مغادرتها أو انتزاع نفسى منها.. كل أوراقى لم تدلنى على مبرر واقعى أو حتى خيالى.
ربما كانت مغادرة الفصول أو تغيرها توحى لى بفكرة الرحيل، فأبيتُ أسيرًا لهذه المساحة الزمنية، ونحن نودع شتاء لم يجالسنا كثيرا إلى فصل آخر لم أعد أعرف ملامحه.. ربما.. ولكن هذا لا يحدث لى كثيرًا، بمعنى أننى مع تغيير الفصول أشعر أكثر بدمعة حبيسة تنطلق فور رحيل الموسم، ثم لا تعاودنى مرة أخرى إلا فى الموسم التالى.
أظن - ومعظم الظن خير- أن المبرر الوحيد لهذا التمايل إنما ينبع من فكرة أنى اشتقت إليه أكثر من شوقى إلى استرداد ذاتى، وهو ذاته نفس الشوق الذى يطارد المصريين كلما أبحرنا بثورتنا شمالا وأصبحنا غير قادرين على العودة إلى اليمين .
نعم.. مال الشعب؛ لأن "الست" تردد "ومن الشوق رسول بيننا"، وكلنا شوق إليه، ذلك الناعم النائم الهادئ الغائب عنا منذ زمن، اشتقنا إليه وهو يمد ذراعيه فى شوارع القاهرة يغلفها بحضنه الدافئ، ويفرد أشرعته على المحروسة يهدهدها قبيل بزوغ الفجر، يوقظ فيها دفء سنوات التاريخ وتعاريج الجغرافيا.. إنه الأمان الذى نغنى له "ومن الشوق رسول بيننا"!!