رئيس التحرير
عصام كامل

بالصور والفيديو.. نباشو القمامة مهنة الأخطار والموت.. قنابل الإرهابية تطاردهم في الصناديق..أطفال أقصى طموحاتهم ماكينة الفرز.. التضامن:عمالة غير منتظمة.. ونقيب الزبالين: نواجه مشاكل نظام مبارك


استيقظت مبكرًا لتقوم بمهمتها اليومية في جمع وفرز القمامة، وبعد الانتهاء من نبش أكبر قدر تحملته قدرتها على العمل، عادت إلى المنزل حاملة ما استطاعت حمله من مخلفات صلبة يمكن بيعها لتجار الخردة والروبابيكيا، جسم واحد ضمن هذه المخلفات كان مختلفًا، لم تكن تعرف أنها تحمل حتفها.


وأثناء عملية الفرز انفجر الجسم المختلف الذي كان بالصدفة قنبلة ألقيت في القمامة لتنهي حياتها، تاركة لأسرتها التى تعولها وحدة سكنية وإعانة عاجلة تبلغ 5 آلاف جنيه.

ما سبق لم يكن مشهدا من قصة خيالية، وإنما كان وقائع اليوم الأخير من حياة "زاهية جمعة" عاملة فرز القمامة في مركز إطسا بالفيوم التي قتلت بقنبلة انفجرت بها أثناء فرزها قبل 10 أيام.

فرز القمامة
ومهنة فرز القمامة هي إحدى المهن التي يعمل بها المئات من أهالي المناطق العشوائية، وتتركز في منطقة "منشية ناصر" إذ إن ضيق ذات اليد، وسهولة المهنة التي لا تحتاج إلى مؤهل يجعلان منها مهنة مناسبة للجميع فانتشرت في عدة مناطق، أهمها عزبة عبد الغني بمنطقة السواح، منطقة "أبو بيومي" بالقرب من دائري شبرا الخيمة، وكذلك منطقة "عرب أبو رجيلة" بجسر السويس، بشتيل والقومية العربية والبراجيل ولعبة والوراق بالجيزة.

الفرز على صوت القطار
على جانبي شريط السكك الحديد خلف حديقة بدر تقع منطقة "العلوية" وهي عبارة عن تجمع لعدد من المنازل يمر بينها شريط السكك الحديدية المتجه إلى السويس، ويعمل سكانها بفرز القمامة، حيث تضم المنطقة مخازن للقمامة.

ناصر أحد سكان العلوية ويمتلك مخزنا لتجميع للقمامة بعد أن تم فرزها قال: "هنا في المخزن يتم جمع كل القمامة اللي موجودة في الشوارع بعد أن يتم فرزها من "النبيشة"، أو "الفريزة"، أو "السريحة"، على حسب ما يطلق عليها، ويأتي التجار إلى هنا ليتم شراء هذه الأشياء".

أضاف: الشيء الوحيد الذي تتم إعادة استخدامه هو الكارتون، حيث يتم استخدامه في مصانع بالعاشر من رمضان وإعادة تصنيعه مرة أخرى إلى كارتون للحلويات والشيبسي والمواد الغذائية، أما كل الأشياء هنا المعدنية والزجاجات والبلاستيك فيتم تكسيرها فقط هنا وبعد ذلك يتم تصديرها للصين".

وأكمل حديثه: " هناك مشكلة لم تتنبه لها الحكومة وأغفلتها، هو أن الرجل "السريح" بمجرد خروجه إلى عمله وتقطيع أكياس القمامة في الشوارع، يتسبب بأذى نفسه أولا، وينشر الوباء والمرض في الجو، وهذا يدفع الدولة إلى إنفاق مبالغ كبيرة في علاجه وعلاج الآخرين، مطالبًا الدولة بالاهتمام بالشباب جامعي القمامة وتدريبهم على التعامل مع أكياس القمامة بصورة صحيحة، والاستفادة من القمامة بصورة دورة كاملة بدلا من تصديرها بعد المجهود الذي نبذله في تجهيزها".

لا بديل
عم ماهر يعمل في هذه المهنة من 14 سنة، متزوج وعنده 4 أطفال، واحد منهم فقط في التعليم والثلاثة الباقين يعملون معه في نفس المهنة، ويتحدث عن عمله فيقول: " هي شغلانة مقرفة، لكن أين البديل؟ أما حميدة التي تعمل بمهنة نبش القمامة وفرزها منذ 50 عامًا فتعتبر مهنتها هي المهنة الوحيدة المناسبة لها لأن بديلها سيكون السرقة".

يقول محمد الشاب الصغير عن عمله: "أنا أعمل بهذه المهنة من نحو 10 سنوات، كانت ظروف البيت سيئة لذلك اتجهت إلى العمل كجامع قمامة، حاليا أنا عايش في العلوية مع أصحاب لي وعملنا هو جمع القمامة من الشقق، وفرز الكارتون، والزجاج وبيعها".
ويكمل حديثه:"أسكن في غرفة بمفردي، ومكسبي اليومي لا يتجاوز الـ50 جنيها، وطبعا هو لا يكفي، فما أربحه يوميا يتم إنفاقه في نفس اليوم ولا يمكنني توفير أي مبلغ للمستقبل".
أطفال بلا مستقبل

أما عم زينهم ومعه ولداه الاثنان محمد وكريم، يقومان بمساعدته في عمله كجامع للقمامة، فيقول: " أنا أقوم بجمع الكارتون والقمامة من الشقق، ثم أفرزها وأبيعها، لم أجد عملا آخر أقوم به من أجل الإنفاق على أسرتي المكونة من 4 أطفال، وهم جميعهم لا يريدون الذهاب إلى المدارس".

كريم طفل في السابعة من عمره يعمل بفرز القمامة في الوقت الذي يدرس فيه أيضا، لا يرقي طموحه سوى للعمل في جمع القمامة أيضا، وأمله الوحيد أن يكون عمله على ماكينة الفرز، في الوقت الذي تشكل القمامة "المدودة" الأزمة الوحيدة لدى صديقه محمد الذي يبلغ من العمر 10 سنوات فهي كما يقول هو "تثير اشمئزازه".

مخاطر المهنة كما يقول زينهم كثيرة، بداية من مطاردة الشرطة لهم، ونهاية بالأمراض التي يمكن أن يتعرضوا لها نتيجة التلوث خاصة إذا جرح النباش بزجاج أو أي قطعة معدنية حادة، وأصبحت المهنة أكثر خطورة بانتشار القنابل التي بدأت تطاردهم في الصناديق، دون أن يكون لهم ذنب.

الزبالون والنباشون
من جانبه يقول شحاتة مقدس نقيب الزبالين " نواجه العديد من المشاكل التي ورثناها عن نظام مبارك، وهي أن الحكومة تعاقدت مع شركات أجنبية لجمع القمامة من الشوارع بعقود طويلة مستمرة 15 عاما، من 2002 إلى 2017، وهذه الشركات تمتلك رأس المال والسيارات ولكنها لا تمتلك أهم عنصر وهو الأيدي العاملة".

أضاف: نخسر بسبب هذه الشركات مبالغ كبيرة تضيع على الدولة، كذلك قرار إعدام الخنازير في عام 2009 والذي صدر بسبب ما يسمى بإنفلونزا الخنازير، وكانت الخنازير تأكل ما يعادل 5000 طن من المواد العضوية وبقايا الطعام، الآن الحكومة الحالية تدفع فاتورة النظام السابق بما تركه لها من مشكلات تحتاج لسنوات لعلاجها".

وأكمل حديثه عن مهنة "النباشين" قائلا: " هؤلاء هم أعداء الزبالين، لأن الزبال يقوم بفرز القمامة في منطقته أو بيته، أما "النباش" فهو يأخذ المواد الصلبة من القمامة ويتركها مفتوحة، وهذا يسبب الأمراض، وتكون هناك صعوبة في جمعها، وإذا قام الزبال بجمع القمامة من الشقق سينهي هذا وظيفة" النباش" نهائيا".

ويذكر عم شحاتة الحادثة التي تعرض لها أحد الزبالين فيقول "هناك زبال يسمى سامح رشدي، كان يقوم بجمع الزبالة من أمام كنتاكي في أول مكرم عبيد، وعند فرزها في منزله تبين له وجود قنبلة، فقمنا بالاتصال بالأمن الذي جاء وتمكن من تفكيك القنبلة دون أي خسائر".

وبسؤاله عن دور الحكومة في الاهتمام بفئة الزبالين، أجاب قائلا: "المكان الوحيد الذي يهتم بنا في مصر هو جمعية حماية البيئة من التلوث، وهي جمعية تتلقى تبرعات بقيمة مليون جنيه سنويا من أحد رجال الأعمال، وتقوم الجمعية بالبحث الاجتماعي في حالة الزبالين المحتاجين للعلاج نتيجة إصابة العمل، أو المعاشات لأصحاب الأسر التي تعمل في مجال جمع القمامة وفقدت عائلها، أما الحكومة فتتجاهلنا تماما".

وزارة التضامن عمالة غير منتظمة

ويعلق كمال أمين الشريف، رئيس الإدارة المركزية لشئون مكتب وزير التضامن الاجتماعي قائلا: " إن وزارة التضامن الاجتماعي وزارة خدمية تهتم بالإنفاق على الفئات المحتاجة بالفعل إلى مساعدة مالية، أما "النباشين" الذي يقومون بفرز القمامة فهولاء عمالة غير منتظمة، ليس لهم تأمين صحي إلا إذا قاموا بالتأمين على حياتهم، وهنا يصبح من حقهم العلاج تحت مظلة التأمين الصحي، والوزارة تتعامل معهم كفئات عادية من الشعب، من يحتاج منهم إلى مساعدة نقوم ببحث حالته، ونساعده بما يستحق".
الجريدة الرسمية